ثم رأى أن تلخيصه متن موجز محدد فيه بعض الفلسفة والمنطق التي تأثر بها أيضًا السكاكي عندما ألف كتابه "المفتاح" السكاكي كان من المتكلمين ومن الفلاسفة ومن المناطقة، الخطيب أيضًا عنده فلسفة ومنطق.
رأى أن التلخيص يحتاج إلى توضيح فألف كتابه المشهور "الإيضاح" وبعض الناس يفهم أن "الإيضاح" شرح لـ"التلخيص" لا، وإنما قال: ترجمته على مؤلفي "الإيضاح" وجعلته له كالشرح، ليس شرحًا بل كالشرح فقدم وأخر وضبط وقعد وأضاف إليه زيادات من ابن عبد القاهر ومن السكاكي ومن الزمخشري ومن غيره وأضاف أيضًا تجديدات من عقله ومن استنتاجاته فصار أشهر كتاب الآن في البلاغة تقريبًا -في المدرسة الأخيرة- وهو زعيم المدرسة المتأخرين زعيم مدرسة المتأخرين هو "الخطيب القزويني".
هل بقي عندنا من الكتب كثير يا شيخ؟.
إلى حد ما: إن شئت أن نسردها وإلافلا.
ما رأيك يا شيخ نجعلها -إن شاء الله- في الدرس القادم -إن شاء الله- لنكمل هذه الكتب المتبقية معنا ثم نبدأ -إن شاء الله- في كتابن.
الأمر واسع، إذا ضاق الأمر اتسع.
الدرس الثاني
تقسيمات كتاب البلاغة الواضحة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى أصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد فنحمد الله -عز وجل- على أن يسر لنا هذه البداية الطيبة المباركة ونسأله -جل وعز- أن ييسر لنا ما تبقى من الحلقات القادمة بإذن الله -عز وجل-، ثم أما بعد:
فلقد ذكرنا فيما سبق أن الباعث الحثيث على التأليف في البلاغة بشكل عام هو محاولة فهم القرآن الحكيم، والتعرف على إعجازه، وتدبر أسراره، فهو علم قرآني قبل كل شيء، فعلومه الثلاثة -المعاني والبيان والبديع- متغلغلة في الإعجاز، ومتمكنة في التنزيل، ولذلك كانت مؤلفات العلماء تدور حول هذا.
وقلنا إن أشهر من تناول قضية الإعجاز، وتناول النظم –بالذات- بالتحليل والتعليل والبسط والتقعيد هو الشيخ عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني المتوفى سنة إحدى وسبعين وأربعمائة هجرية، في كتابيه المشهورين "أسرار البلاغة" و"دلائل الإعجاز"، ثم إنه قد تلاه فخر الدين الرازي صاحب التفسير الكبير فألف كتابه أيضًا في البلاغة وهو "نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز" وقد توفي سنة ستمائة وستة هجرية وقد بدأ نوعًا من التأصيل والتقعيد لأن أداته وثقافته كانت يشوبها المنطق والفلسفة والتحديد والتعريف فأعان هذا المؤلف على أن يحدد أو يبدأ في التحديدات والتعريفات البلاغية.
ثم -بعد ذلك- جاء شيخ البلاغة المقعد بشكل عام، وهو أبو يوسف أبو يعقوب يوسف بن محمد بن علي السكاكي المتوفى سنة ست وعشرين وستمائة للهجرة، فألف كتابه المشهور "مفتاح العلوم"، وكأنه باختياره هذا العنوان كأن دلالته فعلاً ذكية، فإن كتابه مفتاح –فعلاً- للعلوم، ولم يكن كل "المفتاح" -كما ذكرنا- في علوم البلاغة وإنما كان قد قسمه إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول متخصص أو خاص بالصرف وفقه اللغة، لأن تأسيس الجملة العربية ينبني على ذلك، ثم النحو، القسم الثاني: قسم النحو، وضبط قواعده وشواهده بضابط منطقي، ثم القسم الثالث -وهو الأهم- المتعلق بعلمي المعاني والبيان، ولم يسم البديع علمًا، وإنما جعله ملحقًا وسماه وجوه تحسين الكلام.
ثم أيضًا أضاف في كتابه شيئًا عن المنطق وعن العروض والقافية فتم بذلك أو تم بتلك الإضافة علوم العربية بشكل عام.
الرجل أوتي منطق الفلسفة فحقيقة أصل وقعد وشعب وتفرع في كثير من المسائل وأحسن الاستدلال والتقعيد ومعظم كتابات البلاغيين المتأخرين أشبه بالعالة على طريقته وعلى أسلوبه وعلى منهجه، ولهذا فإن الخطيب القزويني المتوفى سنة سبعمائة وتسعة وثلاثين هجرية نحا نحوه، وقد استهواه القسم الثالث من كتاب "المفتاح" المتعلق بعلمي المعاني والبيان، فشرع في تلخيصه فكتب كتابه المشهور "تلخيص المفتاح" ولم يلخص "المفتاح" كله وإنما لخص ما تعلق بفني أو بعلمي البلاغة، وهما علم المعاني وعلم البيان، فسماه "تلخيص المفتاح" وكان تلخيصه متنًا موجزًا مركزًا، ومعلوم أن أيضًا ثقافة الخطيب القزويني كانت أيضًا ذات منطق وفلسفة وفيها شيء من علم الكلام، أعانه هذا على التقعيد والتشعيب والتسديد في الفروع والجزئيات وحسن الاستشهادات أيضًا إلا أنه رأى أن تأليفه هذا يحتاج إلى توضيح أو بسط أو تفصيل
¥