صحيح، لا شك ولذلك أنا ذكرت الآية الحكيمة آية عظيمة أية "ص" ? كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ? لأي غرض؟ ? لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ? بأي صورة؟ عن طريق لغة العرب وبلاغة العرب ? لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ ? [ص: 29]
فالغرض من إنزال هذا القرآن الحكيم التدبر والتفكر والتذكر كيف نتدبره إلا بلغة العرب، ما قمة بيانها؟ ما ذروة سنامها؟ هي البلاغة، قمة بيان العربية وذروة سنامها هي البلاغة بعلومها الثلاثة المعاني والبيان والبديع.
نريد أن نبين للمشاهد الكريم أنه لن يكون زمخشريا من أول يوم أو من ثاني يوم أو من أول أسبوع، يحتاج الإنسان إلى أن يجلس فترات طويلة حتى يبدأ يتذوق كتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أو غيرها من النصوص الأدبية.
كلامك صحيح وجميل، فطالب البلاغة لا يتوقع أنه في يوم وليلة أو بعد انتهاء هذه الدروس أو كذا -مثل ما تفضل سيادتكم- زمخشريًا أو جاحظيًا أو كذا، كلا وإنما تحتاج المسألة إلى تضلع ومران ودُربة وقبل ذلك حفظ التنزيل، والحقيقة أنا بهذه المناسبة أنصح الإخوة والأخوات جميعًا، أنصح أيضًا الإخوة والأخوات أولياء الأمور ممن تحتهم من البنين والبنات أن يوجهوا أبناءهم إلى حفظ كلام الله -عز وجل- وإلى تسجيل أبنائهم في دور تحفيظ القرآن والجمعيات أو مدارس تحفيظ القرآن أو العناية بتحفيظهم كلام الله -عز وجل- لأن حفظ كلام الله -عز وجل- فيه فوائد عظيمة جدًا:
فهو قمة البلاغة والبيان، هذا أمر، الأمر الثاني: أن حافظ كلام الله -عز وجل- تسيل قريحته وحافظته وتنطلق، فهي .. والقرآن الكريم أحفظ من قواعد ومتون وعلوم، فإذا نشطت الحافظة وسيلت هذه الحافظة عن طريق كلام الله -عز وجل- فلامست هذه الحافظة بركة القرآن الكريم سالت حافظته وتدفقت.
ثم إنه يدرب لسانه وتفصح عربيته، لأن أستاذ التجويد سيقوي لسانه سيجعل الإنسان ناطقًا بصحة الكلمة من حيث مخارج الحروف ومخارج الكلمات والإدغامات والإظهارات والاقلابات وغير ذلك، فهنا يجود العربية، فإذا جود العربية من خلال كلام الله -عز وجل- سيجود نطقه عندما يتكلم بها نثرًا أو شعرًا، ولذلك بركة القرآن الكريم ولهذا تجد أن أنبه العلماء وأفضلهم من كان حافظًا، ولهذا أول ما يترجم للشيخ يقول: الحافظ ابن كثير، الحافظ ابن حجر، الحافظ لأي شيء؟ لكذا ولذلك يخطئ بعض التربويين عندما يأتي ويقف أمام الطلاب أو الطالبات يقول: لا تحفظوا لا تكونوا ببغاوات لا هذا خطأ كبير جدًا، إنما العلم بالحفظ والفهم نعم، لكن الحفظ يزود ذاكرة الحافظ بثروة لغوية هائلة، وبأسلوب بياني مشرق، وبلغة عالية جدًا.
وهذا أُثبت علميًا كذلك.
نعم، يستطيع أن يوظفها في المقامات المتعددة، ولهذا فإنني أنصح الجميع بأن يحفظوا كلام الله -عز وجل- وأن يطيلوا النظر في أساليب تعبيره ودقائقه وأن ينظر أيضًا في كتب التفسير التي تعينهم على فهم دقائقه والوصول إلى لطائفه.
الدرس الثالث
الفصاحة والبلاغة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فبعد تلك المقدمات المتقدمة عن أهمية هذا العلم وعن تاريخه والمؤلفات التي ألفت فيه وأبرز الكتب أيضًا التي عرضت قواعده وبسطت مسائله وشرحت شواهده: نبدأ بعون الله وتوفيقه وتيسيره في مقدماتها -أيضًا- الأساسية التي ذكرها العلماء.
وأول ما يواجهنا في مسألة علم البلاغة: هو الكلام عن الفصاحة وعن البلاغة وعن شروط الكلمة الفصيحة والكلام الفصيح، والمتكلم متى يكون فصيحًا؟ وما ضابط ذلك؟
ثم ينتقل -أيضًا- المؤلفون إلى الكلام عن البلاغة، وعن ضابطها في اللغة وفي الاصطلاح، بعدما استقر هذا العلم، والحقيقة أن الكلام عن الفصاحة والبلاغة كان عند المؤلفين في القديم -وبخاصة عند شيخهم الشيخ عبد القاهر الجرجاني- كانت -كما ذكرنا وأعدنا- هذه المصطلحات كانت مترادفة (الفصاحة والبلاغة والبراعة والبيان والبديع والنظم) كذلك.
¥