لكن من أوائل من أفرد الفصاحة والبلاغة وخصها بمزيد عناية وأفردها عن قضايا أو مسائل أو قواعد البلاغة بشكل عام: السكاكي المتوفى سنة ستمائة وستة وعشرين هجرية في كتابه "المفتاح" في كلامه عن علمي المعاني والبيان فقد ذيلهما بكلام عن الفصاحة والبلاغة، تكلم في هذا.
ولكن الذي أصل هذا وقرره وأخذ عنه أيضًا من تأخر عنه: وهو ابن سنان الخفاجي المتوفى سنة أربعمائة وستة وستين هجرية بكتابه المشهور "سر الفصاحة" وقد تكلم عن الفصاحة وعن ضوابطها وعن قواعدها وعن مسائلها وعن شروطها، وأكثر من جاء بعده وبخاصة ابن الأثير أخذ عنه.
السكاكي كما ذكرنا يُعد مؤصلاً ومقعدًا، نعم تكلم عن الفصاحة والبلاغة ولكن جعلها في ذيل الكلام عن علمي المعاني والبيان.
بدر الدين بن مالك هو الذي جاء ونقل الكلام عن الفصاحة والبلاغة وبيان معناهما نقله من "الذيل" -من ذيل المعاني والبيان- إلى "المقدمة" إلى مقدمة علم المعاني وعلم البيان وعلم البديع، فجعلها في المقدمة، سار على منوال بدر الدين بن مالك في كتابه "المصباح" سار على منواله الخطيب القزويني وهو يعد زعيم مدرسة المتأخرين في البلاغة، المتوفى سنة سبعمائة وتسعة وثلاثين هجرية في كتاب التلخيص، وأيضًا الإيضاح، فاستقر الوضع في الكلام عن الفصاحة وعن البلاغة في مقدمة علومها، في المقدمة لا في المؤخرة، وعلى هذا نبدأ -إن شاء الله- ولعل الأخ الكريم يبدأ بقراءة المتن.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
ذكر المؤلفان في مقدمة هذا الكتاب: ("الفصاحة البلاغة الأسلوب"، الفصاحة: الظهور والبيان، تقول: أفصح الصبح إذا ظهر، والكلام الفصيح ما كان واضح المعنى سهل اللفظ جيد السبك ولهذا وجب أن تكون كل كلمة فيه جارية على القياس الصرفي بينة في معناها، مفهومة عذبة سلسلة).
كلام المؤلفين -رحمهما الله- عندما عنونا للمقدمة ب (الفصاحة البلاغة الأسلوب) هذا يعد جديدًا عندهما، فإن كثيرًا من البلاغيين كان يعنون للفصاحة والبلاغة بهذين العنوانين فقط، أما هما فكأنهما -ويبدو أنهما- أرادا أن من برع في الفصاحة وبرع -أيضًا- في البلاغة المترتبة على الفصاحة سينتج عنه أسلوب رائع، يمكن أن يصنف بحسب تخصص الكاتب، فقد يكون عالمًا فيكون أسلوبه علميًا، وقد يكون أديبًا فيكون أسلوبه أدبيًا، وقد يمزج بينهما فيكون أسلوبًا علميًا متأدبا، وقد يكون خطابيًا، الحاصل أن هذه العنونة تعد إلى حد ما تجديدًا عند المؤلفين في بداية كلامهما عن الفصاحة والبلاغة.
ثم بدأ بذكر الفصاحة من حيث المدلول اللغوي لهذه الكلمة.
المدلول اللغوي للفصاحة: تعني الظهور والانكشاف والنصاعة والبيان والوضوح.
ويستشهد على هذا بما ذكر وأُثر عن العرب:
فيقولون: أفصح الصبح: إذا بان وظهر من الليل، وأفصح الطفل: إذا أبان عن حاجاته بلغة مفهومة معروفة، وأفصح العجمي: إذا تخلص من رطانته العجمية، وأصبح يتكلم على طريقة العرب في بيانهم، ولبن فصيح، إذا كانت طبقته ظاهرة، انجلت عنه الرغوة، لأن أول ما يحلب اللبن من الدابة -من ناقة أو شاة أو غيرها- فإن الرغوة تعلوه وتغطيه، فإذا علته وغطت صفحته فإنه غير فصيح، غير خالص ولا واضح، لكن إذا انجلت بعد فترة فإنها تنتهي وتتبخر وينجلي، بعدئذ ينجلي اللبن وتظهر صفحته فيكون فصيحًا. إذن الفصاحة تعني الخلوص من الشوائب والوضوح والنصاعة والبيان.
ثم ذكر قال: (والكلام الفصيح ما كان واضح المعنى) إذن احترز بالوضوح عن الغموض، احترز بوضوح المعنى في الكلمة عن غموضها، أو في الكلام عن غموضه، (سهل اللفظ) احترز بذلك عن الحزونة والصعوبة والثقل الذي يعتريه.
(جيد السبك) واحترز بذلك عن أن يكون الكلام مفككًا قلقًا غير مستقر غير واضح الدلالة.
قال: (ولهذا وجب أن يكون كل كلمة فيه جارية على القياس الصرفي) كأنهما بهذا بدءا في ذكر شروط الكلمة الفصيحة، فعلماء البلاغة ذكروا:
أن من شروط الكلمة الفصيحة أن تكون جارية على القياس الصرفي.
نتكلم عن الكلمة يا دكتور لا نتكلم عن الجملة الآن؟.
¥