تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحقيقة لا يعد غريبًا، لماذا؟ لأن القرآن الحكيم يتلى ليلاً ونهارًا في رمضان وفي غيره، فإذا تلي وإذا قرأه الأئمة وإذا قرأه المؤمن فإن غرابته تذهب من خلال التلاوة والاستعمال والسماع والسياق، ثم إن غرابته تنكشف بالرجوع إلى كتب التفسير وإلى غريب القرآن وإلى معاجم اللغة، فتصبح ألفاظه متداولة بين العلماء وطلاب العلم، لأنه مصدر الأحكام، مصدر التشريع، مصدر التوجيه، كذلك السنة المطهرة.

إذن ما ورد في غريب القرآن أو في غريب السنة لا يعد غريبًا.

هي غريبة على أفراد الأمة وليست على كل الأمة.

هو غريب على عوامهم، بعض عوامهم، وبعض من لا يعتد بغرابته أو بعرفه في الغرابة أو بفهمهم للغرابة أو بقياسهم للغرابة، ولهذا فإن القرآن الحكيم لا توجد فيه كلمة يقال أنها غير فصيحة لغرابتها، كلا، وإنما هي مستعملة ودارجة ومتلوة ومتعبد بتلاوة حروفه وكلماته تقربًا إلى الله -عز وجل- فلا غرابة في ألفاظه وكذلك لا غرابة في ألفاظ السنة المطهرة، وإن احتاجت إلى تنقيب وبحث واستقصاء ليتم المعنى في السياق.

(والذوق السليم هو العمدة في معرفة حسن الكلمات وسلاستها وتمييز ما فيها من وجوه البشاعة ومظاهر الاستكراه؛ لأن الألفاظ أصوات، فالذي يطرب لصوت البلبل، وينفر من أصوات البوم والغربان ينبو سمعه عن الكلمة إذا كانت غريبة متناثرة الحروف، ألا ترى أن كلمتي "المزنة" و"الديمة" للسحابة الممطرة، كلتيهما سهلة عذبة يسكن إليها السمع، بخلاف كلمة "البعاق" التي في معناهما فإنها قبيحة تصك الآذان، وأمثال ذلك كثير في مفردات اللغة تستطيع أن تدركه بذوقك).

الحقيقة: إشارة المؤلفين -رحمهما الله- في قولهما: (والذوق السليم هو العمدة في معرفة حسن الكلمات وسلاسته) صحيح.

معلوم أن الذوق مبني على سلامة وصحة العربية وملاحظة قواعد وقوانين النحو وميزان الصرف اللغوي، فالذوق حقيقة هو عمدة في هذا الباب، والذوق واستعمال الكلمات أيضًا يرفع الغربة.

ومما شرطه علماء البلاغة في الكلمة لتكون مستساغة مقبولة، أن تكون خالية من تنافر الحروف: تنافر الحروف قد يكون بسبب بُعد مخرج حروف الكلمة، يكون مخرجها -مثلاً- حرفا شفويا من الشفة، والآخر من الحلق، مثل "بعاق" هذا كلمة تطلق على المطر، فهذه نلاحظ أن "الباء" من الشفتين "بُعاق" و"العين" من الحلق، وكذلك "القاف" حلقية، فهذا مما قالوا أنه يسبب تنافر الحروف في الكلمة.

قد يكون أيضًا من تقارب مخرج حروف الكلمة مثل "الهعخع" وهو نبت ترعاه الإبل، وتضرر به إذا أكلته، فلما سئل أعرابي عن ناقته قيل: أين ناقتك؟ قال تركتها ترعى "الهعخع"، هنا نلاحظ أن "الهاء" و"العين" أو حروف هذه الكلمة كلها "الهاء" و"العين" و"الخاء" و"العين" كلها حلقية متقاربة، ولذلك أورثها ثقلاً وعسرا، كذلك أخذوا على امرئ القيس كلمة "المستشزرات" في وصف شعر صاحبته عندما قال:

غدائره مستشزرات إلى العلا ** تضل المدارى في مثنًى ومرسل

يصف صاحبته بأنها غزيرة الشعر، لأن خصال شعرها بعضه مرتفع وبعضه منخفض وهو غزير، وهذه الكلمة "مستشزرات" يعني مرتفعات تلك الغدائر، هي ثقيلة، وعدوا هذا عيبًا على امرئ القيس في استعماله هذه الكلمة، لكن بعض الدارسين المعاصرين عد هذا تفننًا، وحسبها لامرئ القيس ولم يحسبها عليه، وجعل ذلك فلاحًا ونجاحًا في استعمال هذه الكلمة، لماذا؟ لأنه لم يجد لفظة معبرة عن حال الشعر وهيئته مثل هذه الكلمة، لأن "مستشزرات" مرتفعات بعضها مرتفع وبعضها منخفض، ثم إن بعضهم -وهو الدكتور بكري شيخ أمين- في كتابه "البلاغة العربية في ثوبها الجديد" قال: إنه وفق، وأنا لست مع النقاد عندما عدوا هذا سقطة أو مأخذة على امرئ القيس في هذا، لأن هذه الكلمة إذا نطقتها حتى لسانك يرتفع وينخفض في إخراج حروفها "مستشزرات" فهذا يصور حال شعر هذه المرأة في ارتفاع وانخفاض وغزارة، وطول أيضًا للكلمة، فتمثل طول الشعر، فيقول: أنه قد وفق في هذا.

إذن المرجع مثل ما ذكر المؤلفان هنا: (الذوق السليم هو العمدة) بدليل أننا نرى كلمات في الذكر الحكيم تقاربت حروف كلمتها ومع ذلك هي فصيحة بينة دالة، كقوله جل وعلا: ? أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ ? [يس: 60] ? أَلَمْ أَعْهَدْ ? "الهمزة" و"العين" و"الهاء" كلها حلقية ومع ذلك، كذلك قولك: "ذقته بفمي" هنا "ذقته" تجد أن "الذال" في أول الفم في نطق اللسان، و"القاف" في أسفله حلقية، كذلك قوله -جل وعز-: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ ? [التوبة: 38]، ? اثَّاقَلْتُمْ ? وقف كثير من العلماء عند هذه الكلمة فقالوا: إن هذه الكلمة لا يصور تثاقل القوم المخاطبين والمعاتبين على تثاقلهم عن الجهاد في سبيل الله مثل هذه الكلمة، فهي تمثل الثقل والتباطؤ ? اثَّاقَلْتُمْ ? الواضح في دلالتها والظاهر أيضًا من أصل نطقها.

كذلك قوله -جل وعز- على لسان نوح -عليه السلام-: ? أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ? [هود: 28]، ? أَنُلْزِمُكُمُوهَا ? تلاحظ أن فيها ثقلاً في النطق، لكنه يعبر عن أن هذا الإلزام ينتج عنه ثقل عليكم وفيه أيضًا شدة ونحن نأبى هذا، فالكلام في التوحيد -توحيد الله -عز وجل-، ولا إكراه في الدين الكلام في أن المرد في هذا هو الذوق وحسن الاستعمال، أيضًا مقام الحال للكلمة، إذا استدعى المقام هذه الكلمة بحيث لا يسد غيرها مسدها كان صاحبها موفقًا.

مثلاً مقام التوبيخ يختلف عن مقام الهجاء.

نعم .. والهجاء والمدح والغزل أو كذا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير