تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من هنا نقول: إن فصاحة المتكلم هي عبارة عن ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح، ملكة أي مهارة وقدرة ودربة عند المتكلم إذا امتلكها وظهرت على لسانه وفي عقله وفي بيانه يقتدر بها على تأليف كلام أو نظم كلام فصيح سواء كان نثرًا أو شعرًا في أي موضوع ما، ليس بالضرورة أن يكون في الأدب أو في كذا، إنما يكون في أي موضوع يعرض عليه، فإذا قرأ واستوفى وحصل لديه ذلك المخزون اللغوي وعرف طرائق العرب، وتنبه إلى سننها في الكلام وضبط قواعدها، تصبح عنده تلك الملكة قدرة ومهارة يستطيع من خلالها أن ينظم أو يؤلف في كلام بليغ يبين مراده ويحدد مقاصده.

يقول: هل يُعد السجع والإتيان بالكلمات الغريبة عما يتداوله الناس من التعقيد اللفظي وعدم الفصاحة؟.

ليس بالضرورة أن يكون السجع فيه تعقيد لفظي وخفاء، إنما بحسب مقتضى إن ظهر على الساجع التكلف، إن ظهر عليه التكلف والتقصد على حساب المعنى كان ذلك قدح في عمله ونيلاً من صنعته، ولهذا: العلماء تكلموا عن أبي تمام وبشار وأبي نواس ومسلم بن وليد في العصر العباسي الثالث الهجري وهم يسمون شعراء البديع الذي تكلف في الصنعة، ثم جاء بعدهم من تكلف، وفي الأعصر المتأخرة فصاروا يقصدون السجع لذاته والجناس لذاته حتى صار عملهم صنعة وتكلفًا لإظهار مهارته وقدرتهم فنال من بيانهم وإشراقه لأن الأصل في البيان أن يكون مشرقًا سلسًا طلقًا ولا يكون المقصود هو اللفظ ذاته، وإنما أن يُقصد المعنى واللفظ، أن يقصد المعنى بحيث يضعه المتكلم في لفظ ناقل، ويكون المدلول اللفظي على معناه واضحًا جليًا من غير تكلف، فإن سجع فطيب من غير تكلف، لكن إذا تكلف وتقصد هذا وظهر عليه في أثناء صنعته وكلامه وتكلفه نال منه ومُجَّ من قِبَل الأسماع، وما زالت العرب تُعرف بسجعها وأسجاعها وكثير من الأمثال إنما حفظت لجريانها على أساليب السجع، والشعر أشبه بالسجع عندما تنتهي أبياته على القافية، ولذلك سهل حفظه، أما النثر فلما لم يكن مسجوعًا ولا منظومًا كنظم الشعر اندثر وضاع كثير منه، ولهذا قيل: ما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيد المنظوم، فما ضاع من المنظوم ثلثه وما بقي من المنثور ثلثه، يعني أن الشعر لما كان في صورة أوزان وقوافٍ أشبه بالسجع كان محفوظًا.

أشبه بالتكلف تقريبًا، يعني ربما يكلف الإنسان نفسه عن سجيته.

نعم .. إذا خرج عن سجيته وعن التطوع، يعتبر تكلفًا وممجوجًا، لكن إذا اقتضاه المقام وجاءت اللفظ في موقعها ودلت على المقصود منها من غير كلفة لاشك أنه موفق أي صاحب ذلك موفق.

يقول: كيف يصح نقد شعر امرئ القيس وأمثاله؟ وهم أهل الفصاحة واللغة؟ ومن الذي يحق له ذلك النقد؟.

نقد أشعار امرئ القيس أو زهير أو حسان -رضي الله عنه- لا ضير لأن هؤلاء -وإن تكلموا- تقع ألسنتهم في بعض الهنات، وبعض المسائل لأنها تخالف المشهور المضبوط عن العرب، لأن مخالفة الإجماع العربي في اللغة أو في البيان أو كذا يعد أيضًا خروجًا عن النسق، ثم إن المعاني المتضافرة التي تدل على خروجه إذا دلت هذه المعاني على خروج الشاعر في هذا مخالفة القواعد المشتهرة عند العرب خالف الإجماع، أو خالف أكثر من قال هذا، فلا ضير في هذا هم بشر يخطئون ويصيبون، إنما المنزه عن ذلك هو كلام الله -عز وجل- الذي أحاط بالمعاني، وأحاط بما يليق بها من الألفاظ، بحيث تدل عليها وتؤدي المقاصد منها، أما البشر فإنهم يصيبون ويخطئون عد العلماء على الفرزدق وهو يحتج بشعره وكذلك جرير وكذلك الأخطل وكذلك أيضًا زهير بن أبي سلمة الذين حفظوا العربية وقعدوها وضبطوا شواهدها وجمعوها وقاسوا ذلك عرفوا أن هذا قد خرج أو خالف، فلا ضير في هذا.

يقول: لماذا تكلمنا عن الفصاحة؟ هل هناك فرق بين الفصاحة والبلاغة؟ وما علاقة الأسلوب بالفصاحة والبلاغة؟.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير