تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هو الحقيقة الفرق بين الفصاحة والبلاغة لا يمكن أن يظهر ولا أن ينجلي إلا بعد أن نأخذ الكلام عن البلاغة من حيث معناها اللغوي ومعناها أيضًا الاصطلاحي، فلعلنا نؤجل الجواب عن هذا بعد أن نأخذ الكلام عن معنى البلاغة في اللغة وعن دلالتها في الاصطلاح عند أهلها عند البلغاء الذين أصلوها، فسنجيب عن هذا -إن شاء الله- أو يظهر الجواب عنه بعد أن نذكر -إن شاء الله- المعنى اللغوي والاصطلاحي للبلاغة بعد أن عرفنا المعنى الاصطلاحي واللغوي للفصاحة.

تقول: كيف يجمع المتكلم الفصيح بين فصاحة الكلام ومستوى السامعين؟ وهل يُعاب المتكلم أن ينزل لمستوى من يسمعه ويتخلى عن بعض فصاحته؟ كأني أسمع هذا الصوت الذي نراه الآن يا شيخ؟ هل أنا -الخطيب أو المتكلم أو المتحدث أو الكاتب أو غيره- وأنا أتكلم أمام ناس وأنا أعلم أن عامتهم من عامة الناس، ولم يدرسوا في جامعة عربية ولا غيرها، فهل لي أن أنزل بتلك الكلمات التي توازي مستواهم وتكون خرجت عن الفصحى إلى العامية، وأكون ناديت أنا بالعامية يا شيخ؟.

مضمون سؤال الأخت الكريمة يقودنا -أيضًا- إلى الكلام عن البلاغة لأن الكلام عن البلاغة هو توظيف للفصاحة، بمعنى أن الكلمة الفصيحة إذا ضمت في كلام فصيح، ثم وظف ذلكم الكلام الفصيح في أداء المعنى المراد بحسب المقام وفق المقتضى كان الكلام عندئذ فصيحًا، الكلام في هذا يجرنا إلى الكلام حقيقة عن البلاغة لأن هناك فرقًا بين البلاغة والفصاحة، فالفصاحة مقتصرة على سلامة الألفاظ من القوادح، سواءً كانت القوادح خاصة بالكلمة أو بالكلام في مجموعه، أما توظيف ذلكم الكلام الفصيح في خدمة الغرض وبحسب المقتضى فعندئذ يكون الانتقال والكلام عن البلاغة، لأن البلاغة كما عرفها الخطيب -وهذا يجرنا إلى الكلام فيها الآن- هو بلاغة الكلام أو بلاغة المتكلم، بلاغة الكلام: هو مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته، مطابقة الكلام الفصيح لمقتضى الحال بحسب المقام، فما ذكر هنا أو ما سئل عنه: كون الكلام مفيداً بالتوظيف، توظيف الكلمات الفصيحة أو الكلام الفصيح في خدمة الغرض الذي سيق من أجله.

أما استعمال العامية أو اللهجات المحلية أو اللغة الأجنبية الأعجمية، -قصدي بعض الكلمات- ضمن كلام عربي فصيح فلا شك أن هذا يعد قادحًا من قوادح الفصاحة، ولكن بحسب المقامات،الأم -مثلاً- مع رضيعها أو مع طفلها الذي في المدرسة أولم يدخلها أو يكاد أو كذا عندما تستعمل معه الألفاظ فينبغي أن تنزل إلى مستوى إدراكه، فإذا نزلت إلى مستوى إدراكه واستخدمت ألفاظًا فصيحة، ألفاظًا عربية صحيحة تعد عندئذ -هي نفسها- بليغة، تعد بليغة لأنها وظفت الألفاظ الفصيحة الصحيحة في مقام هذا الطفل أو الطفلة، كذلك عندما يخاطب الخطيب العمال الذين أمامه إذا كان خطيب جمعة أو يلقي فيهم موعظة أو كلمة أو شيئا من ذلك يلاحظ مداركهم ويلاحظ أيضًا عقولهم فيتنزل بلهجته وبألفاظه العربية -لا العامية-، العربية على مستوى مداركهم، يرفع مستوى مداركهم ليفهموا ويتنزل هو في مستوى عربيته وألفاظه بحيث تكون فصيحة تناسب يختار الألفاظ المناسبة لمداركهم، ولهذا أثر عن علي -رضي الله تعالى عنه- قوله: «خاطبوا الناس على قدر عقولهم أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟» وأحسب أن عليًا -رضي الله تعالى عنه- قد عرف البلاغة بهذا المعنى، وهي فن مخاطبة الآخرين أو الناس على قدر عقولهم بحسب مستوياتهم، فمن خاطب من أمامه -ملكًا أو وزيرًا أو فقيرًا أو حقيرًا أو غنيًا أو رئيسًا أو مرءوسًا أو عالمًا أو فيلسوفًا- بحسب منزلته وسخر لغته الفصيحة في مستوى ذلكم المخاطب الذي أمامه كان بليغًا، من وفق إلى مراعاة المقامات والمناسبات والأحوال وساقها على قدر ذلك كان بليغًا، ومن لم يكن قادرًا على ذلك بحيث استخدم حتى ولو كانت كلماته فصيحة، إلا أن مستوى عربيته أو مستوى المعاني الذي في لغته كان أعلى من مستوى من أمامه لم يكن بليغًا وإن كان فصيحًا، لماذا؟ المهم هو فهم من أمامك من حيث المستوى والإدراك، فإذا كان من أمامك -مثلاً- مسئولاً كبيرًا ينبغي أن تسخر عربيتك لترفعها لمستوى هذا المسئول وتعطيه بقدر ما يفهم وما يناسبه ويليق به من الأدب اللائق، وإذا كان الذي أمامك عاميا أو امرأة أو صغيرا أو كبيرا ينبغي أن تتنزل على مستواه، لكن أيضًا تحافظ على فصاحة الألفاظ وعلى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير