وعن محمد بن عبد الله الخزاعي قال: " صلى عبد الواحد بن زيد الغداة بوضوء العشاء أربعين سنة ".
وقال بعضهم كان كهمس يصلي ألف ركعة في اليوم والليلة فإذا مل قال لنفسه قومي يا مأوى كل شر فوالله ما رضيتك لله ساعة واحدة قط.
وقال بشار: " رأيت ضيغما صلى نهاره وليله حتى بقي راكعا لا يقدر أن يسجد ورأيته يوما وقد رفع رأسه إلى السماء وقال قرة عيني ثم خر ساجدا فسمعته يقول وهو ساجد إلهي كيف غفلت قلوب الخليقة عنك فربما أصابته فترة فيغتسل ثم يدخل بيتا ويغلق بابه ويقول إلهي إليك جئت فاقبلني ويعود إلى ما كان عليه في الركوع والسجود وكان ورده كل يوم أربعمائة ركعة ".
وحدثت عبدة بنت أبي شوال وكانت تخدم رابعة العدوية قالت: " كانت رابعة تصلي الليل كله فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة ثم تصلي الصبح فكنت أسمعها تقول إذا وثبت يا نفس كم تنامين وإلى كم لا تقومين يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور ".
ودخل على رحلة العابدة نفر من القراء فكلموها في الرفق بنفسها فقالت ما لي وللرفق بها إنما هي أيام مبادرة فمن فاته اليوم شيء لم يدركه غدا والله يا أخوتاه لأصلين لله تعالى ما أقلتني جوارحي ولأصومن له أيام حياتي ولأبكين ما حملت الماء عيناي ثم قالت يا إخواني أيكم يأمر عبده بأمر ويحب أن يقصر فيه.
وقال بعضهم سمعت سريا يقول إذا فاتني من وردي شيء لم أقدر أن أعيده وقال العارف بالله أبو القاسم الجنيد كان سري السقطي دائم السهر.
وقال محمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي حدثني أبي قال قضيت يوما في صحبة خالي إلى عثمان بن عيسى الباقلاني فألفيناه خارجا من المسجد إلى داره وهو يسبح فقال له خالي أدع لي فقال يا أبا عبد الله شغلتني أنظر ما تظنه في فاعمله وادع الله لي فقلت له بالله ادع لي فقال لي رفق الله بك فاستزدته فقال الزمان يذهب والصحاف تختم.
وكان عثمان دائم الذكر وكان يقول إذا كان وقت غروب الشمس أحسست بروحي كأنها تخرج لاشتغاله في تلك الساعة بالإفطار عن الذكر.
وقال بعضهم رأيت حماد بن سلمة في النوم فقلت له ما فعل بك ربك فقال قال لي ما كابدت نفسك فاليوم أطيل راحتك وراحة المتعوبين في الدنيا بخ بخ ماذا أعددت لهم.
وقال الربيع بن سليمان: " كان للشافعي رضي الله عنه في كل شهر ثلاثون ختمة وفي شهر رمضان من كل سنة ستون ختمة ".
الباب الثالث
في ذكر سبب تضييع العمر
مَنْ علم أن العمر بضاعة يسيرة يسافر بها إلى البقاء الدائم في الجنة لم يضيعه فأما من قل علمه وضعف إيمانه بالجزاء وخست همته فإنه يؤثر الراحة بالبطالة ويقنعه ما يرجو النجاة به من التوحيد ولا ينظر في فوت الدرجات فهو كما قيل:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها * واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
ومن الأسباب طول الأمل فالإنسان يعد نفسه بأنه سيعمل. وقد روينا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: طول الأمل ينسي الآخرة. وقال ابن عمر: إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح.
وقال الحسن ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل.
عن محمد بن أبي توبة قال: " أقام معروف الكرخي الصلاة ثم قال لي تقدم فقلت إني إن صليت بكم هذه الصلاة لم أصل بكم غيرها فقال له معروف وأنت تحدث نفسك بأنك تبقى إلى أن تصلي صلاة أخرى نعوذ بالله من طول الأمل فإنه يمنع خير العمل ".
وقد روينا أن أكثر جنود أبليس سوف وكان بعض العلماء يقول احذروا سوف ودخل بعض العلماء مقبرة فقال لا إله إلا الله ما فيهم أحد إلا وله حوائج ما قضاها يقول سأفعل.
ومن الأسباب: تعجيل الراحة. ولو كان الذهن صحيحا لعلم أن راحة البطالة تذهب وفعالها خسران المناقب وأنت ترى الغافلين في ساعات البطالة عن أشغال الدنيا فمنهم من سعى في لهو يؤذي دينه ويلعب الشطرنج ومنهم من يتحدث حديثا لا يخلوا من أثم وينبغي للإنسان أن يعلم أن أعز الأشياء شيئان قلبه ووقته فإذا أهمل وقته وضيع قلبه ذهبت منه الفوائد والخيرات.
وكان عمرو بن قيس إذا نظر إلى أهل السوق قال ما أغفل هؤلاء عما قد أعد لهم.
¥