ولما كانت الصفة الغالبة على المؤلف في اختياره ونقله وتقريره واجتراره لمسائل الكتابين هي مخالفة النص الصريح من القرآن والسنة وإجماع السلف، مع الإصرار على تلك المخالفة والتأكيد على الإصرار فقد أطلقت عليه اسم " المخالف "، وهو أقل وصف يستحقه بعد الذي رأيته من نصوص كلامه، وما ستراه أشد وأنكى.
ولا أدل على إصراره على المخالفة وتشبثه بها وعضه عليها، من تكراره لنفس الأخطاء الشنيعة والطامات الموبقة التي أكثر منها في كتابه الأول " الذخائر "، وإعادتها بمثلها وأعظم منها وأشنع في كتابه الأخير " الشفاء "، مع طول الفترة بين التأليفين والتي قاربت العشرين عاماً.
ثم إنه نوقش بما في كتابه الأول، ورُد عليه وبُين له وجه الخطأ وعُقد له مجلس مشهود مع بعض أهل العلم، وكان الظن به وبمن هو في منزلته وعلمه أن يتوب ويرجع، ولو فعل لكان خيراً له وللناس وأقوم، ولكنه – هداه الله – أصر واستكبر وأعاد الكرة في الكتاب الآخر بأسلوب أصرح وأوضح من ذي قبل، فاستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
ولا ينقضي عجبي من أولئك الذين عرفوا حقيقة هذا " المخالف " وظهر لهم إصراره على المخالفة ثم يستهلكون في الدفاع عنه وتكلف الأعذار له، ولو على حساب الدين والعقيدة والإيمان !
أقول لهم: ما رأيكم بمن يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتي علم الغيب ومفاتحه الخمس وعلم الروح، وإنه يملك حق الإقطاع في الجنة لمن شاء، وإن أسماءه مطابقة لأسماء الله الحسنى، وإنه المنعم على كل الوجود، الممد بالخير والبر لكل موجود، لجا اللاجين، وغياث المستغيثين، غافر الذنب وقابل التوب، الذي من أجله خُلق الكون وله يسجد من في السموات ومن في الأرض، وقبره خير من الجنة والعرش ... وهلم جراً؟!
أوقفهم على كل هذه العظائم ومثلها ومثلها ومثلها ... فيتكلفون له الأعذار ويتمحلون عنها الجواب:
فمن قائل: " هذه الأقوال مدسوسة عليه وعلى كتبه، ولا يمكن صدورها عنه "!
ومن قائل: " هذه الأقوال يمكن أن تُؤَوَّل وتُحمل على أحسن محمل "!
ومن قائل: " هلا ناقشته وبينت له وأوضحت له فلعله يقنعك أو يقتنع، وإن أخطأ فلعله إذا روجع أن يرجع "!
وأنا أقول لهؤلاء المتكلفين: اربعوا على أنفسكم وأريحوها من هذا التكلف العسير، فقد قدمت إليكم ما يؤكد تأكيداً جازماً لا شك فيه أن الكلام كلامه والقول قوله وهو لا يفتأ يكرره في مصنفاته، وإن كنتم في ريب مما أقول فاسألوه يخبركم الخبر اليقين.
وأما تأويل الكلام ولي عنقه وحمله على محامل حسنة لتوافق الصواب، فهو أمر جد عسير بل هو ضرب من المستحيل في أكثر الأحيان.
إذ كيف يمكن تأويل قوله: " إن النبي صلى الله عليه وسلم أوتي علم الخمس والروح وله حق الإقطاع في الجنة لمن شاء "؟
وكيف نتأول قوله: " كلما لحت للملائك خروا، في السموات سجداً وبكياً "؟
وبم نتأول خطابه للنبي صلى الله عليه وسلم: " وانظر بعين الرضا لي دائماً أبداً، واستر بفضلك تقصيري مدى الأمد"؟
وكذا قوله له: " واعطف علي بعفو منك يشملني، فإنني عنك يا مولاي لم أحد "؟
وقل مثل ذلك في سائر الأقوال المنكرة التي يستحيل تأويلها لصراحتها ووضوح نكارتها.
وليس أدل على ما ذكرت من عجز أولئك " المتكلفين "، عن الجواب عن تلك المنكرات الشنيعة التي شحن بها المخالف كتابيه، فحادوا عنها إلى مسائل أخرى دندنوا حولها وشغبوا بها، ليوهموا العوام بأنها هي أس الخلاف القائم بين الفريقين، وليستروا بها تلك الفضائح التي هي أصل الخلاف وحقيقة الاختلاف.
ومن المسائل التي دأب " المخالف " ومن نصره من " المتكلفين " على التشغيب بها والتستر بها: مسألة محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم قدره، وأثاروا معها جملة من المسائل، من أهمها: الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ووصفه صلى الله عليه وسلم بالسيادة، والتبرك به، وزيارة قبره الشريف، وشد الرحل إليه، ثم التوسل به، والاستشفاع به.
فهذه المسائل السبع هي أكثر ما شغب به هؤلاء وجعلوها مثار جدل بين الناس، وزعموها علامة على المحبة ودلالة على التعظيم، وليس الأمر كما زعموا ولبسوا.
¥