قوله تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض، أمن يملك السمع والأبصار، ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون) (يونس: 31).
وقوله: (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل أفلا تذكرون * قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون، قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون) (المؤمنون: 84 - 89).
وأما اتخاذهم أصنامهم ومعبودا تهم شفعاء ووسطاء فيدل عليه قوله تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون) (يونس: 18).
وقال سبحانه وتعالى: (أم اتخذوا من دون الله شفعاء، قل أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون. قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون) (الزمر: 43 - 44).
ففي الآية الأولى أخبر سبحانه عنهم سبب عبادتهم لهم وهو اتخاذهم إياهم شفعاء، ثم سماه عز وجل شركاً فقال: (سبحانه وتعالى عما يشركون).
وفي الآية الثانية تأكيد للأولى، وبيان آخر وهو أن الشفاعة كلها لله لا لأحد من الخلق، وإنما هي ملك له وحده يأذن لمن يشاء فيمن يشاء، بخلاف شفاعة الخلق لبعضهم عند بعض كشفاعة الوجهاء عند الرؤساء فهذه شفاعة تليق بحال المخلوقين من الضعف والعجز والقلة والذلة، كما أن شفاعة الخالق سبحانه تليق بجلاله وعظمته وكمال سلطانه وعزته وغناه عن خلقه، ومن سوَّى بين الشفاعتين فقد غلط غلطاً بيناً وافترى إثماً عظيماًً.
**
(وقالوا لا تذرون آلهتكم)
ذكر ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً) أنها " أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسَّخَ العلم عبدت " (أنظر " صحيح البخاري " (8/ 667)).
قال السهيلي: " كانوا يتبركون بدعائهم كلما مات منهم أحد مثلوا صورته وتمسحوا بها إلى زمن مهلائيل فعبدوها بتدريج الشيطان لهم، ثم صارت سنة في العرب في الجاهلية، ولا أدري من أين سرت لهم تلك الأسماء؟
من قبل الهند؟ فقد قيل إنهم كانوا المبدأ في عبادة الأصنام بعد نوح، أم الشيطان ألهم العرب ذلك؟ " انتهى نقله من " فتح الباري "، ثم قال الحافظ: " وقد أخرج الفاكهي من طريق ابن الكلبي قال: " كان لعمرو بن ربيعة رئي من الجن فأتاه فقال: أجب أبا ثمامة، وادخل بلا ملامة ثم ائت سِيْفَ جدَّة، تجد بها أصناماً معدة، ثم أوردها تهامة ولا تهب، ثم ادع العرب إلى عبادتها تجب. قال فأتى عمرو ساحل جدة فوجد بها وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً، وهي الأصنام التي عبدت على عهد نوح وإدريس، ثم إن الطوفان طرحها هناك فسفى عليها الرمل فاستثارها عمرو وخرج بها إلى تهامة وحضر الموسم فدعا إلى عبادتها فأجيب "اهـ ("الفتح" (8/ 668)).
وذكر الحافظ أن عمراً هذا هو عمرو بن لحي.
قلت: وثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب " وفي لفظ: " رأيت عمرو بن لحي" (أخرجه البخاري (6/ 547) ومسلم (2856)).
قال الحافظ في " الفتح ": "وأورده ابن إسحق في "السيرة الكبرى" عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي صالح أتم من هذا ولفظه: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون: رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار لأنه أول من غير دين إسماعيل، فنصب الأوثان وسيب السائبة وبحر البحيرة ووصل الوصيلة وحمى الحامي" " ("السيرة" لابن هشام (1/ 78) وأخرجه الحاكم (4/ 605) بنحوه، إلا أنه قال:"غير دين إبراهيم").
¥