تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم قال الحافظ: "وذكر ابن إسحق أن سبب عبادة عمرو بن لحي الأصنام أنه خرج إلى الشام وبها يومئذ العماليق وهم يعبدون الأصنام فاستوهبهم واحداً منها وجاء به إلى مكة فنصبه إلى الكعبة وهو هبل، وكان قبل ذلك في زمن جرهم قد فجر رجل يقال له إساف بامرأة يقال لها نائلة في الكعبة فمسخهما الله جل وعلا حجرين فأخذهما عمرو بن لحي فنصبهما حول الكعبة فصار من يطوف يتمسح بهما يبدأ بإساف ويختم بنائلة "اهـ ("الفتح" (6/ 549)).

والخلاصة: هي كما قال الحافظ: " وقصة الصالحين كانت مبتدأ عبادة قوم نوح هذه الأصنام ثم تبعهم من بعدهم على ذلك " ("الفتح " (8/ 669))، وأن أول من دعا إلى عبادتها في العرب هو عمرو بن لحي بن قمعة الخزاعي، ويقال له عمرو بن ربيعة أو عمرو بن عامر نسبة إلى جده. والله تعالى أعلم.

**

سد ذرائع (1) الشرك

" لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تُفضي إليها، كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها. فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطها بها. فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد الوسائل.

فإذا حرم الرب تعالى شيئاً وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقاً لتحريمه وتثبيتاً له ومنعاً أن يقرب حماه "

("إعلام الموقعين" (3/ 147))

ولما كان الشرك أعظم الذنوب، فقد سدت دونه كل الوسائل المفضية إليه، والذرائع الموصلة إليه، وأعظمها العكوف على قبور الأولياء والصالحين وتعظيمها، والغلو فيهم بالمحبة والإطراء والتعظيم.

وقد تقدم معنا أن مبدأ الشرك في قوم نوح، كان سببه العكوف على قبور الصالحين، وهم ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر.

وأما عبادة النصارى للمسيح عليه السلام، فكان سببها الغلو في التعظيم والإطراء، وكذا عبادة اليهود لعزير عليه السلام وعبادة المشركين للملائكة، ولذا فقد جاءت النصوص محذرة من هاتين الذريعتين: تعظيم القبور والغلو في أصحابها.

أما الأنصاب والأحجار والأصنام فإنما صنعت على صور أولئك المعبودين المعظمين، المقبورين منهم وغير المقبورين، فهي ليست معظمة لذاتها، وإنما لكونها صورت على أشكالهم، أو على هيئة اخترعها عبادهم وتخيلوها في أذهانهم فصنعوا لها هياكل تدل عليهم وسموها بأسماء مخترعة أيضاً، كما فعل المشركون حين عبدوا الملائكة على صور أصنام واشتقوا لها أسماء من أسماء الله عز وجل، لأنهم بزعمهم، بنات الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

والذين عبدوا القبور والأشجار والأحجار والأنصاب، إنما عبدوها تبركاً بها وتعظيماً للمعبودين إما لكونهم مقبورين فيها، أو لأنها أثر من الآثار الدالة عليهم.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله من مكايد إبليس، لعنه الله، التي كاد بها أكثر الناس " ما أوحاه قديماً وحديثاً إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور حتى آل الأمر فيها إلى أن عبد أربابها من دون الله وعبدت قبورهم واتخذت أوثاناً وبنيت عليها الهياكل وصورت صور أربابها فيها ثم جعلت تلك الصور أجساداً لها ظل ثم جعلت أصناماً وعبدت مع الله تعالى "اهـ "إغاثة اللهفان" ((1/ 143)).


(1): الذريعة: هي السبب إلى الشيء، يقال: فلان ذريعتي إليك، أي سببي ووصلتي الذي أتسبب به إليك. وسد الذرائع معناه إذاً: حسم مادة وسائل الفساد دفعاً لها. انظر "لسان العرب" (8/ 96) و "الفروق" للقرافي (2/ 32).

هذه هي الحلقة السابعة من كتاب "جلاء البصائر في الرد على كتابي " شفاء الفؤاد " و"الذخائر ") للشيخ سمير المالكي حفظه الله:
ــــــــــــــــ

" ألا فلا تتخذوا القبور مساجد "
ومن أعظم الوسائل المفضية إلى عبادة القبور والشرك بها واتخاذها أوثاناً تعبد من دون الله، العكوف عندها للصلاة والدعاء والعبادة وسائر القرب، فقد تواترت النصوص في النهي عن ذلك، ووردت بأبلغ عبارات التحذير وأشدها، إذ جاءت مقرونة باللعن والقتل والغضب، ووصف فاعلوها بأنهم شرار الخلق عند الرب عز وجل.
1 - فعن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " أخرجه مسلم (972).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير