تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبدالله بن عبدالرحمن]ــــــــ[14 - 09 - 02, 09:51 ص]ـ

فهذه هي الحلقة التاسعة من كتاب (جلاء البصائر في الرد على كتابي " شفاء الفؤاد " و"الذخائر ") للشيخ سمير المالكي حفظه الله:

ــــــــــــــــ

فصل: ( .. بل هم أضل)

اعلم أن المشركين الأولين كانوا يشركون مع الله في العبادة، بدعاء الأصنام والأنداد والأوثان ورجائهم والاستشفاع بهم والتوسل إلى الله بهم، كما قال تعالى: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (الزمر: 3)، وقال: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) (يونس: 18).

لكنهم لم يكونوا مدمنين على تلك الحال، فقد كانوا يخلصون لله الدعاء والالتجاء في بعض الأحوال.

قال تعالى: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) (العنكبوت: 65).

وقال: (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين. قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون) (الأنعام: 63 - 64).

وقال عز وجل: (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد، وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) (لقمان: 32).

قال ابن كثير "تفسير ابن كثير" (3/ 452): " (موج كالظلل) أي كالجبال والغمام".

وقال الشوكاني: " (دعوا الله مخلصين له الدين) أي دعوا الله وحده لا يعولون على غيره في خلاصهم لأنهم يعلمون أنه لا يضر ولا ينفع سواه، ولكنه تغلب على طبائعهم العادات وتقليد الأموات، فإذا وقعوا في مثل هذه الحالة اعترفوا بوحدانية الله وأخلصوا دينهم طلباً للخلاص والسلامة مما وقعوا فيه. (فلما نجاهم إلى البر) صاروا على قسمين: فقسم (مقتصد) أي موف بما عاهد عليه الله في البحر من إخلاص الدين له باق على ذلك بعد أن نجاه الله من هول البحر وأخرجه إلى البر سالماً.

قال الحسن: معنى مقتصد، مؤمن متمسك بالتوحيد والطاعة، وقال مجاهد: مقتصد في القول مضمر للكفر.

والأولى ما ذكرناه، ويكون في الكلام حذف، والتقدير: فمنهم مقتصد ومنهم كافر، ويدل على هذا المحذوف قوله: (وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور) الختر: أسوأ الغدر وأقبحه، والكفور: عظيم الكفر بنعم الله سبحانه " انتهى ملخصاً " فتح القدير " (4/ 244 - 245).

قلت: فهذا كان حال المشركين السابقين في عبادتهم للآلهة من دون الله، يعبدونها مع الله في الرخاء، توسلاً بها واستشفاعاً إليه، وينسونها إذا اشتد بهم البلاء، ويصرفون وجوههم عنها إليه، ويخلصون له في العبادة والدعاء والرجاء.

وقد سبق بيان موافقة المخالف لأولئك المشركين في أنواع العبادة التي كانوا يصرفونها لأندادهم وأوثانهم وأصنامهم، فهل اكتفى بتلك الموافقة والمطابقة؟

كلا، بل زاد عليهم في الشرك والكفر وأربى، وإليك البيان:

قال المخالف:

توجه رسول الله في كل حاجة ... لنا ومهم في المعاش وفي القلب

وقال:

عليك سلام الله أنت ملاذنا ... لدى اليسر والإعسار والسهل والصعب

قلت: فلم يترك لله حاجة من الحاجات ولا مهمة من المهمات يدعوه فيها ويرغب، إذ صرف دعاءه ورجاءه في شأنه كله لإلهه ومعبوده من دون الرب!

وقال المخالف:

يا غياث الخلق يا ذا الفضل ... والجود والإحسان في بحر وبر

وقال:

فلأنت في الدنيا وفي الأخرى وفي ... كل المواطن عدتي وندائي

وقال:

واعطف علي بعفو منك يشملني ... فإني عنك يا مولاي لم أحد

قلت: وهذا عين الكفر والضلال، فقد صرف لمعبوده من دون الله دعاءه ورجاءه في كل الأوقات، ولم يتخذه وسيلة إلى الله وشفيعاً عنده فحسب، بل جعل معبوده من دون الله هو الأصل فوحده بالقصد والطلب، ولم يكن كذلك شرك الأولين، بل كانوا يتخذون الأنداد من دون الله لتقربهم هي إليه، فهو الإله الأكبر، أو "إله الآلهة" كما كانوا يصفونه سبحانه. وقد كانوا يعبدونه ويتقربون إليه بأنواع القربات مما ورثوه من بقايا ملة إبراهيم عليه السلام، وكانوا يخلصون له العبادة في الشدة ويجأرون إليه بالدعاء، ويشركون معه آلهتهم في وقت الأمن والرخاء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير