أما المخالف فقد صرح في أكثر من موضع من كتابيه بإخلاص العبادة للمخلوق وحده دون الخالق، فهو يسأله كل حاجاته، كما قال: "توجه رسول الله في كل حاجة "، وكقوله: "ولذ به من كل ما تشتكي" ويدعوه في كل أوقاته، كما قال: "يا ذا الفضل والجود والإحسان في بحر وبر "، وكما قال: "أنت ملاذنا لدى اليسر والإعسار والسهل والصعب"، وكقوله: "فلأنت في الدنيا وفي الأخرى وفي كل المواطن عدتي وندائي".
وصرح أكثر من ذلك فقال: "عجل بإذهاب الذي أشتكي فإن توقفت فمن ذا أسأل"؟
وقال: "فإنني عنك يا مولاي لم أحد" وقال: "هذا نزيلك أضحى لا ملاذ له إلا جنابك".
والجامع لهذه المعاني كلها كلمة واحدة هي " لا إله إلا أنت "!!
قلت: فأي الفريقين أحق بالكفر والشرك والشقاق، آلذين عبدوا الآلهة وتقربوا إليها بالدعاء والالتجاء، لتقربهم هي إلى الله، في حال الرخاء، ووحدوا خالقهم وأخلصوا له الدين ونسوا الآلهة في حال الكرب وشدة الغم حين تعود إليهم الفطرة وتذهب عنهم السكرة فيقولون:
(لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين)؟ ..
أم الذي أخلص الدعاء والرجاء لإلهه ومعبوده من دون الله، وصرف إليه قلبه ووجَّه إليه وجهه وقصده في كل وقت وفي كل حين؟! (نبئوني بعلم إن كنتم صادقين).
ويقول المخالف " شفاء الفؤاد" (ص205):
بذلي بإفلاسي بفقري بفاقتي ... إليك رسول الله أصبحت أهرب
ويقول " شفاء الفؤاد" (ص213):
فأقل عثار عُبيدك الداعي الذي ... يرجوك إذ راجيك غير مخيب
واكتب له ولوالديه براءة ... من حر نار جهنم المتلهب
واقمع بحولك باغضيه وكل من ... يؤذيه من متمرد متعصب
واشفع له ولمن يليه وقم بهم ... في كل حال يا شفيع المذنب
قلت: وهذا تأكيد منه وإصرار على تماديه في الضلال والشرك والكفر إذ يصرح هذا المخالف بعبوديته الخالصة لإلهه صاحب القبر، فيسأله العفو والنجاة من النار له ولوالديه، وأن يقمع بحوله باغضيه، ويتوسل في دعائه وندائه واستغاثته بإظهار الذلة والعبودية والفقر!!
أما سمعته يقول " عُبيدك "؟! (جاء في الهامش: وقد كرر هذا الوصف بصيغة التصغير أيضاً في أكثر من موضع، في (ص45) من "الذخائر" و (ص228) من "شفاء الفؤاد"، وهو دليل واضح منه على الإصرار والعناد) هكذا، بأسلوب التصغير، مبالغة منه في العبودية والتحقير، فطغى به وزاد على عبدة الأصنام والأثان والأنداد، الذين كانوا يسمون: عبد العزى وعبد الكعبة وعبد مناة وعبد المسيح.
وأوضح منه لبيان المقصود، إضفاؤه صفات الربوبية والألوهية على العبد المخلوق، إذ سأله ما هو من خصائص الرب عز وجل، الذي يملك وحده العفو عن الذنب ومغفرة العيوب، لا يملكه ملك مقرب ولا نبي مرسل.
وتأكيداً لما سبق بيانه وتقريره من أن شرك المخالف أشد وأخطر، وكفره أعظم وأكبر من شرك الأولين وكفرهم، أسوق إليك هذا الدليل:
في معرض كلامه عن مناسك زيارة القبر النبوي، ذكر المخالف جملة من الآداب التي ينبغي الإتيان بها على من أراد الحج والعمرة إلى القبر النبوي، جاء فيها "شفاء الفؤاد " (ص131 - 132):
1 - "إخلاص النية فينوي التقرب بالزيارة وينوي معها التقرب بشد الرحل للمسجد النبوي والصلاة فيه".
2 - "إذا دنا من حرم المدينة الشريفة وأبصر رباها وأعلامها فليزدد خضوعاً وخشوعاً ويستبشر بالهنا وبلوغ المنى".
3 - ويسن له "الغسل لدخول المدينة ولبس أنظف ثيابه".
4 - و "إذا شارف المدينة الشريفة وتراءت له قبة الحجرة المنيفة فليستحضر عظمتها وتفضيلها".
5 - و "يقدم صدقة بين يدي نجواه".
6 - "فإذا أراد الدخول - (إلى المسجد) – يقف يسيراً كالمستأذن كما يفعله من يدخل على العظماء".
7 - "ثم يتوجه للروضة الشريفة خاشعاً غاضاً طرفه غير مشغول بالنظر إلى شيء من زينة المسجد وغيره، مع الهيبة والوقار والخشية والانكسار والخضوع والافتقار .. فيصلي التحية ركعتين خفيفتين يقرأ فيها قل يا أيها الكافرون والإخلاص".
8 - "ومحل تقديم التحية إذا لم يكن مروره قبالة الوجه الشريف، فإن كان: استحبت الزيارة أولاً كما قال بعضهم. ورخص بعض المالكية في تقديم الزيارة على الصلاة".
9 - و "يتوجه بعد ذلك إلى الضريح الشريف .. فيقف بخضوع ووقار وذلة وانكسار غاض الطرف مكفوف الجوارح واضعاً يمينه على شماله كما في الصلاة".
¥