تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال شيخ الإسلام أبو زكريا النووى ((شرح مسلم)) (14/ 194): ((فهذا من بديع الطب عند أهله، لأن الأمراض الامتلائية: دموية أو صفراوية أو سوداوية أو بلغمية، فإن كانت دموية فشفاؤها إخراج الدم، وإن كانت من الثلاثة الباقية، فشفاؤها بالإسهال بالمسهل اللائق لكل خلط منها، فكأنه نبه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعسل على المسهلات وبالحجامة على إخراج الدم بها. وذكر الكى لأنه يستعمل عند عدم نفع الأدوية المشروبة ونحوها، فآخر الطب الكى. وقوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ)) إشارة الى تأخير العلاج بالكى، حتى يضطر إليه، لما فيه من استعمال الألم الشديد فى دفع ألمٍ قد يكون أضعف من ألم الكى)) اهـ.

وهاهنا تجدر الإشارة إلى الفرق البعيد المغزى بين طبه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وطب الأطباء بأسرهم، فإن طب النَّبىِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متيقن قطعى إلهى، مأخوذ من الوحى المتلقى عن الله، فإنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى))، وهو مع هذا مُؤدٍ إلى الخلق كافة فى أسلوب سهلٍ رقراق، لا تعقيد فيه ولا غموض.

ـــــــ

(1) صحيح. أخرجه أحمد (4/ 132)، والطبرانى ((مسند الشاميين)) (1376،1375)، والبيهقى ((شعب الإيمان)) (5/ 28) ثلاثتهم عن سليمان بن سليم الكلاعى، وابن المبارك ((الزهد)) (603)، والترمذى (2380)، والقضاعى ((مسند الشهاب)) (1340) ثلاثتهم عن سليمان بن سليم وحبيب بن صالح، والنسائى ((الكبرى)) (4/ 178/6770)، وابن سعد ((الطبقات)) (1/ 409) كلاهما عن معاوية ابن صالح، ثلاثتهم ـ سليمان وحبيب ومعاوية ـ عن يحيى بن جابر الطائى عن المقدام به.

وقال أبو عيسى: ((هذا حديث حسن صحيح)).

ولا يُنكر انصراف كثير من جهال البشر ورعاعهم، ممن غلظ حجابُ قلبه، وطمست بصيرته، عن الانتفاع بطب النبوة، فإنه إنما ينتفع به من علم أن طاعته صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من طاعة الله خالق الداء والدواء، ومدبر النفوس ومنشئها، فكما لا ينتفع المنافقون بالقرآن، بل يزيدهم رجساً على رجسهم، كما قال تعالى ((وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا * فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرين))، وكما قال تعالى ((قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى))، وكما قال تعالى ((وننزل من القرآن ما هو شفاء للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا))، فكذلك طب النبوة إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول والتسليم، واليقين والتفويض، وصحة الاعتقاد بحصول الشفاء به.

وإعراض أكثر الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن، وليس ذلك إلا من خبث الطبائع، وغلبة الفساد، وضعف اليقين، وصدق الله العظيم إذ يقول ((إنما يستجيب الذين يسمعون))، وقال تعالى ((ومن يهن الله فما له من مكرم)). ومما يذكر هاهنا من روائع الإقتداء بهدى النبوة، سيما فى تطببه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحجامة وإعطائه الحجام أجره، ما رواه أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال نا أبو بكر المروذي قال: قال لي أحمد بن حنبل: ما كتبت حديثاً عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وقد عملت به، حتى مرَّ بي الحديثُ ((أنَّ النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احتجم، وأعطى أبا طيبة ديناراً))، فأعطيت الحجام ديناراً حين احتجمت.

ومن الحقائق الثابتة التى لا يجحدها إلا ملحد أو مكابر، أن فى طب النبوة من الأدوية القلبية والروحانية، كالتفويض والإنابة، والتوبة والاستغفار، والتذلل والانكسار، والتواضع والرضا، والدعاء والتضرع، من التأثير المعجز فى الشفاء، ما لا يدركه طب الطرائقين وأدويتهم، فتبارك القائل وهو أصدق القائلين ((سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شئٍ شهيد)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير