تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما قوله ((الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ)) فإن كان ظاهره العموم، فإنه غير مراد مطلقاً، بل جاء كأصل فى علاج الأمراض المادية، وكأنه أراد أن الشفاء لهذه الأمراض المادية المتسببة عن مادة رديئةٍ فى هذه الثلاثة.

قال العلامة ابن القيم ((الطب النبوى)) (ص42): ((قال بعض الأطباء: الأمراض المزاجية إما أن تكون بمادة أو بغير مادة. والمادية منها: إما أن تكون حارة، أو باردة، أو رطبة، أو يابسة، أو ما تركب منها. وهذه الكيفيات الأربع، منها كيفيتان فاعلتان: وهما الحرارة والبرودة، وكيفيتان منفعلتان: وهما الرطوبة واليبوسة. ويلزم من غلبة إحدى الكيفيتين الفاعلتين استصحاب كيفية منفعلة معها. وكذلك لكل واحد من الأخلاط الموجودة فى البدن، وسائر المركبات كيفيتان: فاعلة ومنفعلة.

فحصل من ذلك أن أصل الأمراض المزاجية هى التابعة لأقوى كيفيات الأخلاط التى هى الحرارة والبرودة، فجاء كلام النبوة فى أصل معالجة الأمراض الحارة والباردة على سبيل التمثيل. فإن كان المرض حاراً عالجناه بإخراج الدم، بالفصد كان أو بالحجامة، لأن فى ذلك استفراغاً للمادة وتبريداً للمزاج. وإن كان بارداً عالجناه بالتسخين، وذلك موجود فى العسل، فإن كان يحتاج مع ذلك إلى استفراغ المادة الباردة، فالعسل أيضاً يفعل ذلك، لما فيه من قوة الإنضاج، والتقطيع، والتلطيف، والجلاء، والتليين، فيحصل بذلك استفراغ للمادة برفق وأمن من نكاية المسهلات القوية. وأما الكى: فلأن كل واحد من الأمراض المادية: إما أن يكون حاداً، فيكون سريع الإفضاء لأحد الطرفين، فلا يحتاج إليه، وإما أن يكون مزمناً، وأفضل علاجه بعد استفراغ مادته الكى، لأنه لا يكون مزمناً إلا عن مادة باردة غليظة قد رسخت فى العضو، وأفسدت مزاجه، وأحالت جميع ما يصل إليه إلى مشابهة جوهرها، فيشتعل فى ذلك العضو، فيستخرج بالكى تلك المادة من ذلك المكان الذى هو فيه بإفناء الجزء النارى الموجود بالكى لتلك المادة.

فتعلمنا بهذا الحديث أصل معالجة الأمراض المادية جميعها، كما استنبطنا معالجة الأمراض الساذجة من قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِنَّ شِدَّةَ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ)) اهـ.

وأما الحجامة، وهى استفراغ للدم المتجمع فى نواحى الجلد من مسامه الدقيقة أو الخدوش البسيطة بمشرط الحجام، فلها فى ترويق الدم وتصفيته من الشوائب والأخلاط والنفايات، ما للنار فى الحديد من تصفية جوهره، ونفى خبثه، فهى أشبه الأشياء بالكير الذى ينفى خبث الحديد. فهى أنفع العلاجات للقلب وجهازه الدورى، بما تخلصه من المواد الرديئة والنفايات اللزجة التى ربما أحدثت سدداً لمجراه، وبما تستحثه من تجديدٍ وتعويض لكمياته المستنزفة، بل ولكل أجهزة البدن كالكلى والعظام والمناعة. وهى مع هذا كله أشد أمناً من الفصد، وخاصة للعروق التى لا يمكن فصدها بحالٍ، وبسط هذه المعانى سيرد ذكرها فى باب الحجامة فى الطب الحديث.

إيضاح وبيان

بالحجامة يمكن إعادة الدم إلى نصابه الطبيعى والأمثل، وتنشط الدورة الدموية دون ارتفاعٍ فى الضغط، وتستعيد أعضاء البدن كلها نشاطها وحيويتها، فيما يعرف فى الطب الحديث بتنشيط وظائف الأعضاء، وينشط الجسم كله ليقاوم الأمراض، ويمد صاحبه بالصحة وموفور العافية.

ذكر صاحب كتاب ((الحجامة الدواء العجيب)) عن الشيخ محمد أمين شيخو قوله: ((إن زيادة الدم الفاسد (1) والهرم فى جسم الرجل البالغ، الذى تخطى سن العشرين، إثر توقف النمو، ينعكس سلباً يتمركزه فى أهدأ منطقة فى الجسم، وهى الظهر ـ فى الكاهل ـ، فإذا ما ازدادت الكريات الهرمة سببت عرقلة عامة لسريان الدم فى الجسم، وأدى ذلك إلى شبه شللٍ بعمل الكريات الفتية، وبالتالى يصبح الجسم بضعفه عرضةً وفريسةً سهلة للأمراض.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير