تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن كلام الوزير المغربي: لو كان زمن الربيع شخصا لكان مقبلا، ولو أنَّ الأيام حيوان لكان لها حلياً ومجللا، لأن الشمس تخلص فيه من ظلمات حوت السماء، خلاص يونس من ظلمات حوت الماء، فإذا وردت الحمل وافت أحبَّ الأوطان إليها، وأعزَّ أماكنها عليها. وكان عبدوس الخزاعي يقول: من لم يبتهج بالربيع ولم يستمتع بأنواره، ولا استروح بنسيم أزهاره، فهو فاسد المزاج محتاج إلى العلاج)).

ثم قال: ((وقد أطنب الناس في وصف هذا الفصل ومدحه، وأتوا بما يقصر عن شرحه، وتغالى الشعراء فيه غاية التغالي، وفضلوا أيامه ولياليه على الأيام والليالي. وما أحلى قول أبى عبادة البحتري:

أتاك الربيعُ الطلقُ يختال ضاحكا من الحسن حتى كاد أن يتكلما

وقد نبَّه النيروزُ في غسق الدجى أوائلَ وردٍ كُن بالأمس نُوَّما

يُفتِّحها بردُ الندى فكأنما يبث حديثاً كان أمسِ مكتَّما

ومن شجرٍ ردَّ الربيعُ رداءَه عليه كما نشَّرت وشياً منمنما

أحلَّ فأبدى للعيون بشاشةً وكان قذىً للعين إذ كان مُحرما

ورقَّ نسيمُ الريح حتى كأنما يجيء بأنفاس الأحبَّة نُعَّما)) اهـ

وقد عقد الطبيب الرئيس ابن سينا فى ((كتاب القانون)) فصلاً لبيان كيفيات الطب المتعلقة بفصل الربيع وتأثيراته على فسيولوجية الجسم، بعنوان ((الأهوية ومقتضيات الفصول)) فقال: ((والربيع أفضل فصول السنة، وهو مناسب لمزاج الروح والدم، وهو مع اعتداله يميل عن قرب إلى حرارةٍ لطيفة سمائيةٍ، ورطوبةٍ طبيعيةٍ، وهو يحمر اللون، لأنه يجذب الدم باعتدالٍ، ولم يبلغ أن يحلله تحليل الصيف. وفى الربيع تهيج ماليخوليا أصحاب الماليخوليا، ومن كثرت أخلاطه فى الشتاء لنهمه وقلة رياضته؛ استعدَّ فى الربيع للأمراض التى تهيج من تلك المواد بتحليل الربيع لها، وإذا طال الربيع واعتداله قلَّت أمراض الصيف وأمراض الربيع، واختلاف الدم والرعاف وسائر الخراجات. ويكثر فيه انصداع العروق، ونفث الدم والسعال. ولا يخلِّص من أمراض الربيع شئ كالفصد والاستفراغ والتقليل من الطعام)) اهـ.

وإذ أرست سفن كلام الحاذقين بالطب ـ سيما رئيسهم ومقدمهم ـ عند هذا المرفأ الآمن، فلنستقل منها زورقاً يوصلنا إلى ساحل الصحة والمعافاة، ومرفأ التداوى والشفاء، ولا أراه إلا الفصد والاستفراغ، كما قال رئيس القوم وعميدهم، والحجامة شاملة لهما معاً.

وأما اختيار الميقات اليومى للحجامة المثلى، ففى البكور بعد شروق الشمس، لما صحَّ من حديث صخر بن وداعة الغامدى (1) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي ـــــــــ

(1) صحيح لشواهده. أخرجه الطيالسى (1246)، وابن أبى شيبة (6/ 534/33619)، وسعيد بن منصور (2382)، وأحمد (3/ 432،431،417،416 و4/ 391،390،384)، والدارمى (2435)، وابن الجعد ((مسنده)) (2464،1696)، والبخارى ((التاريخ الكبير)) (4/ 310/2941)، وأبو داود (2606)، والترمذى (1212)، والنسائى ((الكبرى)) (5/ 258/8833)، وابن ماجه (2236)، وابن أبى عاصم ((الآحاد والمثانى)) (4/ 363)، والمحاملى ((الأمالى)) (331)، وابن حبان (4735،4734)، والإسماعيلى ((معجم شيوخه)) (1/ 435)، والجرجانى ((تاريخ جرجان)) (ص414)، وابن قانع ((معجم الصحابة)) (2/ 212)، والطبرانى ((الكبير)) (8/ 29،28/ 7277،7276،7265)، والقضاعى ((مسند الشهاب)) (1493)، والبيهقى ((الكبرى)) (9/ 151) و ((دلائل النبوة)) (6/ 222)، والخطيب ((تاريخ بغداد)) (1/ 405 و5/ 240 و9/ 441) من بُكُورِهَا))، قَالَ: وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلاً تَاجِرًا، وَكَانَ إِذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَأَثْرَى وكثُرَ مَالُهُ.

وجائز فعلها فى أى أوقات اليوم، ليلاً أو نهاراً، بعد الراحة واسترخاء البدن. وأما ما يستحبه بعضهم من فعلها على الريق، فلا يصح فيه ما يعتمدونه وينسبونه إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قوله ((الحجامة على الريق أمثل)).

وسيأتى بيان بطلانه بما لا مزيد عليه إن شاء الله تعالى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير