وأما ما يروى عن عمر بن الخطاب قال: نهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن حلق القفا إلا للحجامة، فهو حديث منكر لا يحتج بمثله.
أخرجه ابن حبان ((المجروحين)) (1/ 319)، والطبرانى ((الأوسط)) (3/ 220/2969) و ((الصغير)) (261)، وابن عدى (3/ 373) جميعا من طريق الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس عن عمر به.
قلت: وإسناده واهٍ بمرة. سعيد بن بشير، قال يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال عبد الله بن نمير: منكر الحديث، وليس بشيء، ليس بقوي فى الحديث، يروى عن قتادة المنكرات. وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ فاحش الخطأ يروي عن قتادة مالا يتابع عليه.
وأما الوليد بن مسلم، فهو وإن كان ثقة فى نفسه ولكنه فاحش التدليس، يدلس تدليس التسوية.
قال ابن أبى حاتم ((علل الحديث)) (2/ 316/2462): ((سألت أبي عن حديث رواه سليمان بن شرحبيل عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن حلق القفا إلا عند الحجامة. قال أبي: هذا حديث كذب بهذا الاسناد، يمكن أن يكون دخل لهم حديث في حديث. قال أبي: رأيت هذا الحديث في كتاب سليمان بن شرحبيل، فلم أكتبه، وكان سليمان عندى في حيز لو أن رجلا وضع له لم يفهم)).
وفى ((سؤالات البرذعى لأبى زرعة)) (1/ 549): ((قلت: حديث يروى عن سليمان بن عبد الرحمن عن الوليد عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن حلق القفا إلا في الحجامة. فقال: باطل ليس هذا من حديث الوليد)).
[المسألة الرابعة] إن احتجم المحرم فهل يغتسل أو يتوضأ؟. التحقيق فى هذه المسألة قريب شبهٍ بالدم السائل من البدن كالرعاف والدمل ونحوهما أيتوضأ منه؟، وإنما تختلف الحجامة بأن دم الحجامة يستقر فى قارورة الحجام، وربما سال إن كان غزيراً، وقد يصيب الثوب. وقد رخص أكثر أهل العلم فى ترك الوضوء من الدم السائل، ولم يرو فيه شيئاً، وقالوا: يغسل المحتجم محاجمه ولا يتوضأ.
قال إمام المحدثين فى ((كتاب الوضوء)) من ((الجامع الصحيح)) (1/ 44. سندى):
بَاب مَنْ لَمْ يَرَ الْوُضُوءَ إِلا مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ فَلا وُضُوءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لا وُضُوءَ إِلا مِنْ حَدَثٍ. وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَرَكَعَ وَسَجَدَ وَمَضَى فِي صَلاتِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ. وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَطَاءٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ: لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوءٌ. وَعَصَرَ ابْنُ عُمَرَ بَثْرَةً، فَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَبَزَقَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى دَمًا، فَمَضَى فِي صَلاتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ فِيمَنْ يَحْتَجِمُ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلا غَسْلُ مَحَاجِمِهِ.
فإذا علم صحة أكثر هذه الآثار عمن رويت عنه، فهذا القدر كافٍ للدلالة على المقصود.
وخرَّج أبو بكر بن أبى شيبة أكثر هذه الآثار، فيمن يحتجم يغسل أثر محاجمه، فى ((مصنفه)) (1/ 47/475:468) قال:
حدثنا ابن نمير أخبرنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: أنه كان إذا احتجم غسل أثر محاجمه. حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن إبراهيم قال: كان علقمة والأسود لا يغتسلان من الحجامة. حدثنا أبو بكر بن عياش عن مغيرة عن إبراهيم: أنه كان يغسل أثر المحاجم 0
حدثنا حفص عن أشعث عن الحسن وابن سيرين أنهما كانا يقولان: اغسل أثر المحاجم 0
حدثنا ابن إدريس عن هشام عن الحسن ومحمد قال: كانا يقولان في الرجل يحتجم يتوضأ ويغسل أثر المحاجم 0
حدثنا عبد الأعلى عن يونس عن الحسن سئل: عن الرجل يحتجم ماذا عليه؟ قال: يغسل أثر محاجمه 0
حدثنا وكيع عن إسماعيل عن أبي عمر عن ابن الحنفية قال: يغسل أثر المحاجم 0
¥