ولا يصح ما روى عن أنس: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى ولم يتوضأ، ولم يزد على غسل محاجمه. فقد أخرجه الدارقطنى (1/ 151)، والبيهقى ((الكبرى)) (1/ 141) كلاهما من طريق صالح بن مقاتل ثنا أبي ثنا سليمان بن داود أبو أيوب عن حميد عن أنس.
وهذا إسناد ضعيف جداً لا يحتج بمثله، صالح وأبوه وسليمان ثلاثتهم ضعفاء.
وأما ما أخرجه ابن عدى ((الكامل)) (6/ 450) من طريق معمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع حدثني أبي عن أبيه عبيد الله عن أبي رافع قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم، فغسل موضع محاجمه، وصب على رأسه.
قلت: هذا منكر الإسناد والمتن. معمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، ليس بثقة ولا مأمون، قاله يحيى بن معين. وقال البخارى: منكر الحديث. وقال ابن حبان: ينفرد عن أبيه بنسخة أكثرها مقلوبة، لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب.
وقال ابن عدى: مقدار ما يرويه لا يتابع عليه.
وقد لخص أبو بكر بن المنذر أحكام هذا الباب تلخيصاً وافياً، فقال فى ((الأوسط)) (1/ 178): ((ذكر ما يجب على المحتجم من الطهارة. قال أبو بكر: حكم الحجامة كحكم الرعاف والدم الخارج من مواضع الحدث، وقد أوجب فيه الوضوء مالك وأهل المدينة، وعند الشافعي وأصحابه، وأبي ثور وغيره: لا ينقض ذلك عندهم طهارة ولا يوجب وضوءاً، بل يكفى المحتجم بأن يغسل أثر محاجمه ثم يصلي. وقد روي عن ابن عمر: أنه كان إذا احتجم غسل أثر محاجمه. وروي ذلك عن ابن عباس، وبه قال الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وهو قول ربيعة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك والشافعي، وأبي ثور)) اهـ.
قلت: وممن روى عنه الغسل من الحجامة: على بن أبى طالب، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وابن سيرين، ومجاهد.
وخرَّج عبد الرزاق أكثر هذه الآثار، فيمن يغتسل من الحجامة، فى ((المصنف)) (1/ 180):
عن إسرائيل بن يونس عن ثوير بن أبي فاختة عن أبيه: أن عليا كان يستحب أن يغتسل من الحجامة.
عن الثوري عن الأعمش عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: إني لأحب أن أغتسل من خمس: من الحجامة، والموسى، والحمام، والجنابة، ويوم الجمعة. قال الاعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: ما غسلا واجبا إلا غسل الجنابة، وكانوا يستحبون الغسل يوم الجمعة.
عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: قال يغتسل الرجل إذا احتجم.
فإن احتج له محتج بما أخرجه أحمد (6/ 152)، وأبو داود (348)، وابن خزيمة (256)، وابن المنذر ((الأوسط)) (1/ 181) من حديث مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب العنزي عن عبد الله ابن الزبير عن عائشة أنها حدثته: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يغتسل من أربع: من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت.
قلنا: هذا منكر الإسناد والمتن لا يحتج بمثله، مصعب بن شيبة ليس بالقوى. وأنكره أحمد ابن حنبل وقال: مصعب بن شيبة روى أحاديث مناكير. وقال أبو حاتم: لا يحمدونه وليس بقوي. وقال الدراقطني: ليس بالقوي ولا بالحافظ.
قال أبو بكر بن المنذر: ((فإذا لم يثبت حديث مصعب بن شيبة بطل الاحتجاج به. وقد بلغني عن أحمد بن حنبل وعلي بن المديني أنهما ضعفا الحديثين: حديث مصعب بن شيبة، وحديث أبى هريرة في الغسل من غسل الميت)).
بيان حكم حجامة الصائم
(22) عن ثوبان قال: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَقِيعِ فِي ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ بِرَجُلٍ يَحْتَجِمُ، فَقَالَ: ((أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ)).
ـــــــ
(22) صحيح.أخرجه الطيالسى (989)، وعبد الرزاق (7522)، وأحمد (5/ 282،280،277،283) والدارمى (1731)، وأبو داود (2367)، والنسائى ((الكبرى)) (2/ 217/3137)، وابن ماجه (1680)، وابن الجارود (386)، وابن خزيمة (1963،1962)، والطحاوى ((شرح المعانى)) (2/ 98) وابن حبان (3532)، وابن قانع ((معجم الصحابة)) (1/ 119)، والطبرانى ((الكبير)) (2/ 101/1447)، والحاكم (1/ 590)، والبيهقى ((الكبرى)) (4/ 265)، وابن بشكوال ((غوامض الأسماء المبهمة)) (1/ 487)، وابن عساكر ((التاريخ)) (94/ 412)، وابن الجوزى ((التحقيق فى أحاديث الخلاف)) (1098) من طرق عن يحيى
¥