وأما عبد الله بن المثنى، وخالد بن مخلد القطوانى، فكلاهما ثقتان، احتج بهما الشيخان فى ((الصحيحين)). والقطوانى ثقة صدوق على تشيع فيه، وكان كثير الحديث، وهو فى عداد المكثرين من محدثى الكوفة. وقد أخرج له البخارى فى ((صحيحه)) ثلاثين حديثاً. وأما مناكيره، فقد ساق له ابن عدى فى ((الكامل)) عشرة أحاديث، وليس هذا الحديث منها، ولا يستنكر تفرده، فله شاهد بسند صحيح من حديث أبى سعيد الخدرى، وهو التالى.
وأما دعوى معارضة هذا الحديث للأخر عن ثابت أنه سأل أنس: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم، فقال: لا إلا من أجل الضعف، فلا تعارض بينهما، بل هما متفقان على ثبوت الرخصة فى حق الصائم، فإن الجواب بلا عمن سأل عن كراهتها للصائم يفيد أنها غير مكروهة بإطلاق، وإنما تكره لمن يخشى الجهد والضعف، ولهذا وردت الرواية عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: ما كنا ندع الحجامة إلا كراهة الجهد.
(28) صحيح. أخرجه الطبرانى ((الأوسط)) (3/ 138/2725)، والدارقطنى (2/ 183/15)، والبيهقى ((الكبرى)) (4/ 264) من طريق معتمر بن سليمان عن حميد عن أبي المتوكل الناجى عن أبي سعيد به.
وأخرجه الدارقطنى (2/ 182/10،9)، والبيهقى (4/ 264) كلاهما من طريقى إسحاق الأزرق والأشجعى مفرقين عن الثورى عن خالد الحذاء عن أبى المتوكل عن أبى سعيد به نحوه.
قال أبو عيسى الترمذي: ((وسألت البخاري فقال: ليس في هذا الباب شيء أصح من حديث شداد بن أوس وثوبان، فقلت له: كيف وما فيه من الاضطراب؟، فقال: كلاهما عندي صحيح، لأن يحيى بن أبى كثير روى عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان، وعن أبي الأشعث عن شداد بن أوس الحديثين جميعاً)).
وحكى أبو بكر البيهقى عن أحمد بن حنبل قوله: أحاديث أفطر الحاجم والمحجوم ولا نكاح إلا بولي أحاديث يشد بعضها بعضا وأنا أذهب إليها. وعن إسحاق بن راهويه قوله: حديث شداد بن أوس هذا إسناد صحيح تقوم به الحجة، وبه نقول.
وبهذه الأحاديث قال بعض الصحابة: على بن أبى طالب، وأبو موسى الأشعرى، وابن عمر آخر أمره، وكان يرى الرخصة أول أمره. وذهب إلى الفطر من التابعين: عطاء بن أبي رباح، ومسروق، والحسن، وابن سيرين. وبه قال: عبد الرحمن بن مهدي، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن المنذر، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة. والمشهور عن أحمد ابن حنبل التغليظ في ذلك. قال أحمد: إن احتجم في رمضان فقد أفطر يقضي يوما مكانه. وقال أبو بكر المروزي: احتجمت في صيام التطوع، فقال لي أحمد بن حنبل: قد أفطرت 0
(النوع الثانى) أحاديث إباحة الحجامة للصائم، وتروى عن ابن عباس، وأنس، وأبى سعيد الخدرى، وكلها صحاح ثابتة. وممن ذهب إلى الرخصة والقول بأن الحجامة لا تبطل الصوم: سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدرى، والحسين بن علي، وزيد بن أرقم، وعائشة، وأم سلمة. ومن التابعين: عروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، والشعبى، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وطاوس. وبها قال جمهور العلماء: مالك، وأبو حنيفة، والشافعى، وداود الظاهرى.
[المسألة الثانية] قال يحيى بن يحيى ((الموطأ)) (1/ 278): باب ما جاء في حجامة الصائم. عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر: أنه كان يحتجم وهو صائم، قال: ثم ترك ذلك بعد، فكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر. وعن مالك عن ابن شهاب: أن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر كانا يحتجمان وهما صائمان. وعن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه: أنه كان يحتجم وهو صائم، ثم لا يفطر. قال: وما رأيته احتجم قط إلا وهو صائم.
قال مالك: لا تكره الحجامة للصائم إلا خشية من أن يضعف، ولولا ذلك لم تكره. ولو أن رجلا احتجم في رمضان، ثم سلم من أن يفطر؛ لم أر عليه شيئا ولم آمره بالقضاء لذلك اليوم الذي احتجم فيه، لأن الحجامة إنما تكره للصائم لموضع التغرير بالصيام. فمن احتجم وسلم من أن يفطر حتى يمسي؛ فلا أرى عليه شيئا، وليس عليه قضاء ذلك اليوم.
¥