تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد روى عن أبى الأشعث الصنعاني وهو أحد من روى ذلك الحديث في هذا المعنى، ما حدثناه ابن أبى داود قال ثنا الوحاظي ثنا يزيد بن ربيعة الدمشقي عن أبى الأشعث الصنعاني قال: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفطر الحاجم والمحجوم))، لأنهما كانا يغتابان. وهذا المعنى معنى صحيح، وليس افطارهما ذلك كالإفطار بالأكل والشرب والجماع، ولكنه حبط أجرهما باغتيابهما، فصارا بذلك مفطرين لا أنه إفطار يوجب عليهما القضاء، وهذا كما قيل: الكذب يفطر الصائم، ليس يراد به الفطر الذي يوجب القضاء، إنما هو على حبوط الأجر بذلك، كما يحبط بالأكل والشرب)).

قلت: وهذا الوجه الذى ذكره أبو جعفر الطحاوى من أن فطرهما كان بالغيبة من أبعد الوجوه وأعجبها، وعليه مؤاخذات:

(الأولى) أن الحديث المحتج به حكم الإمام على بن المدينى: أنه باطل، وفيه يزيد بن ربيعة أبو كامل الرحبي الدمشقي الصنعاني. قال البخاري: أحاديثه مناكير. وقال السعدي: أحاديثه أباطيل أخاف أن تكون موضوعة. وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث منكر الحديث واهي الحديث، وفى روايته عن أبى الأشعث عن ثوبان تخليط كثير. وقال النسائي: متروك الحديث.

وقال ابن حبان: كان صدوقا إلا انه اختلط في آخر عمره فكان يروي بأشياء مقلوبة لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.

(الثانية) أن أحداً لم يقل بأن الغيبة تفطر الصائم حقيقةً، ولهذا قال أبو بكر بن خزيمة: ((جاء بعضهم بأعجوبة، فزعم أنه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم))، لأنهما كانا يغتابان. فإذا قيل له: فالغيبة تفطر الصائم؟، قال: لا، فعلى هذا لا يخرج من مخالفة الحديث بحجة!!)).

(الثالثة) قوله ((أنه لا يراد به الفطر الموجب للقضاء، وإنما يراد به حبوط الأجر))، القائل بهذا كالمستجير من الرمضاء بالنار، أو كلابس ثوبى زور لا يسترانه، إذ كيف يحبط أجر من فعل مباحاً مأذوناً فى فعله؟!، وهل عُرف من أحكام الشارع إذنه فى فعلٍ، ثم معاقبة فاعله وتأثيمه؟.

(الرابعة) قال الحافظ ابن القيم: ((وأما الجواب: بأن الفطر فيها لم يكن للحجامة، وذكر الحاجم للتعريف المحض كزيد وعمر، ففي غاية البطلان من وجوه:

(أحدها) أن ذلك يتضمن الإبهام والتلبيس، بأن يذكر وصفا يرتب عليه الحكم، ولا يكون له فيه تأثير البتة.

(الثاني) أن هذا يبطل عامة أحكام الشرع التي رتبها على الأوصاف، إذا تطرق إليها هذا الخيال والوهم، كقوله تعالى ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما)) و ((والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)) و ((واللاتي يأتين الفاحشة))، ومعلوم أنه ليس بأيدينا إلا أوصاف رتبت عليها الأحكام. فإن جاز أن تكون تلك الأوصاف للتعريف لا للتعليل بطلت الأحكام.

(الثالث) أنه لا يفهم قط أحد، لا من الخاصة والعامة، من قول القائل: القاتل لا يرث، والعبد لا يرث، والكافر لا يرث، والقاذف لا تقبل شهادته، والمحدث لا تصح صلاته، وأمثال ذلك، إلا تعلق الأحكام بتلك الأوصاف. ولهذا لا يحسن ذكر وصف لا تأثير له في الحكم، فكيف يضاف ذلك إلى الشارع، سبحانك هذا بهتان عظيم.

(الرابع) أن هذا قدح في أفهام الصحابة، الذين هم أعرف الناس، وأفهم الناس بمراد نبيهم، وبمقصود كلامه. وقد قال أبو موسى لرجل قال له: ألا تحتجم نهارا!، قال: أتأمرني أن أهريق دمي وأنا صائم، وقد سمعت رسول الله يقول: ((أفطر الحاجم والمحجوم)). والذين فطروا بذلك من الصحابة: كعلي، وأبي موسى وغيرهم، إنما يحتجون بالحديث. وكان جماعة من الصحابة لا يحتجمون في الصيام إلا ليلا، منهم: عبد الله بن عمرو، وابن عباس، وأبو موسى، وأنس، ويحتجون بالحديث)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير