تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يقول د. عبد المجيد الشرفي في أهمية الاجتهاد الجماعي:» أنه ضمانة لعدم استغلال هذه القاعدة في تعطيل شرع الله بذريعة تغير المصلحة… ولكونه أكثر ضمانة في التحري عن المصلحة وتغيرها، وأكثر دقة في الابتعاد عن الهوى وأكثر إصابة للحق «(1).

وكان هذا النهج في النظر هو فعل الصحابة -رضوان الله عليهم- إذا نزل بهم أمر وأرادوا الحكم فيه؛ فكان أبو بكر -رضي الله عنه- يجمع رؤوس الناس وخيارهم ويستشيرهم فإذا اجتمع أمرهم على أمر قضى به، وكان عمر -رضي الله عنه- يفعل ذلك إذا أعياه أن يجد حكم مسألة ما في الكتاب والسنة سأل: هل كان أبو بكر قضى فيه بقضاء؟ فإن كان لأبي بكر قضاء قضى به وإلا جمع علماء الناس واستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به. (2)

ثانياً: إن النظر في المصلحة ينبغي أن يمتد إلى ما تؤول إليه من نتائج مصلحية أو ما سوى ذلك من مفاسد، فقصر الأخذ للمصلحة على وقتها من دون اعتبار الأوقات الأخرى، أو على مكان من دون اعتبار الأماكن الأخرى، أو على شخص من دون اعتبار بقية الناس وخصوصاً في الفتاوى والأنظمة العامة مما قد يكون وسيلة أو ذريعة إلى مفسدة أو الوقوع في محظور، مع اعتبار الأولى من المصالح فالأولى بتقديم المصالح الدائمة أو المتعدية أو الأكثر نفعاً والأطول بقاءً على غيرها من المصالح المرجوحة الأخرى.

يقول الإمام الشاطبي -رحمه الله- عن المجتهد:» لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة من المكلفين بالإقدام أو الإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، فقد يكون مشروعاً لمصلحة فيه تستجاب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه… فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول بالمشروعية … وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق محمود الغبّ جارٍ على مقاصد الشرع «(3).

ومن أمثلة اعتبارات المآلات والذرائع في الشرع: قوله تعالى (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ …) (4) وقوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُوْلِي الألْبَابِ) (5).

ومنها: النهي عن بيع العينة لأنها ذريعة للربا، وعدم قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- للمنافقين كي لا يقال إن محمداً يقتل أصحابه، وعدم هدم وبناء الكعبة على قواعد إبرهيم لأن الناس كانوا حديثي عهد بالكفر، ونهيه للصحابة عن إخراج الأعرابي الذي بال في المسجد لما يتريب على ذلك من ضرر عليه وأذى في المسجد، ونهيه صلى الله عليه وسلم عن التشدد في العبادة والغلو فيها حتى لا يحدث للإنسان ملل أو إفراط في الغلو المحظور. (6)

وللإمام ابن القيم تقسيم لطيف في أنواع الذرائع ما يسد منها وما يفتح يقول فيه -رحمه الله-:» والذرائع تنقسم إلى أربعة أقسام:

1 - أن تكون وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المفسدة، كشرب الخمر مفضٍ إلى مفسدة السكر، والزنا مفضٍ إلى اختلاط المياه وفساد الفراش، وهذا النوع جاءت الشريعة بمنعه.

2 - أن تكون وسيلة موضوعة للمباح قصد بها التوسل إلى المفسدة، كعقد النكاح بقصد التحليل أو عقد البيع بقصد الربا، وهذا ممنوع.

3 - أن تكون وسيلة موضوعة للمباح ولم يقصد بها التوسل إلى المفسدة لكنها مفضية إليها غالباً، ومفسدتها أرجح من مصلحتها، مثل الصلاة في أوقات النهي، وسب آلهة المشركين، وتزيين المتوفى عنها زوجها في زمن العدة. وهذا ممنوع.

4 - أن تكون وسيلة موضوعة للمباح وقد تفضي إلى المفسدة ومصلحتها أرجح من مفسدتها، كالنظر إلى المخطوبة أو المشهود عليها، والصلاة ذات الأسباب في أوقات النهي، وكلمة الحق عند سلطان جائر، وهذا مشروع في الجملة. «(7)

ثالثاً: إن قاعدة النظر في المآلات قاعدة معتبرة شرعاً كما بينا ذلك وأكده الإمام الشاطبي -حمه الله- بقوله:» النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً كانت الأفعال موافقة أو مخالفة «(8).

واعتبار المآلات في النظر والاجتهاد أمر مهم للمجتهد يجعل نظره ممتداً إلى ما يؤول إليه حكمه أو ما يتوقع أن يحدث من المكلف أو ما ينتج عنه في المستقبل ليراعي ذلك كله في اجتهاده (9)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير