تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ضوابط المصلحة الدعويّة

ـ[طلال العولقي]ــــــــ[12 - 05 - 05, 08:56 م]ـ

ضوابط المصلحة الدعويّة (1/ 2)

د. مسفر بن علي القحطاني 17/ 3/1426

26/ 04/2005

شاع استخدام مصطلح "المصلحة الدعوية" في كثير من الأوساط الدعوية كدليل احتجاج وتأصيل, واستخدم أيضاً كدليل إدانة ضدها من بعض التيارات المضادة للصحوة كاتهام بتسييس الدين وأدلجته. ونظراً لأهمية هذا الموضوع والحاجة لإزالة اللبس والخلط حول هذا المفهوم ومستلزماته الشرعية؛ أحببت أن أسلط الضوء على بعض تلك المسائل الأصولية وأجلي الموقف حول صحة الإستدلال بها في قضايا الدعوة والإصلاح.

فالمصلحة عند الأصوليين لها تعريفات مختلفة اللفظ متقاربة المعنى والمدلول، فقد قال الإمام الغزالي -رحمه الله- في تعريفها:» هي جلب المنفعة ودفع المضرة «(1)، وقال الإمام الفتوحي -رحمه الله-هي:» إثبات العلّة بالمناسبة «(2) أما شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فقد قال في بيانها:» هو أن يرى المجتهد أن هذا الفعل يجلب منفعة راجحة «(3)

فالمصلحة الشرعية هي ما تضمنته أحكام الشريعة من جلبٍ للمنافع ودفعٍ للمضار في العاجل والآجل، وهذا النوع من المصالح قد جاء النص مقرراً لها بعينها أو نوعها؛ كالأمر بجميع أنواع المعروف والنهي عن جميع أنواع المنكر وككتابة القرآن الكريم صيانة له من الضياع وكتعليم القراءة والكتابة وغيرها مما تضمّنته النصوص الشرعية من مصالح ومنافع، فالمصلحة هنا أصل ثابت ودليل قائم تُبنى عليه الأحكام، وذلك لاعتبار النص لها وشهوده عليها.

أما إذا كانت المصلحة مرسلة، وهي كل مصلحة داخلة في مقاصد الشرع ولم يردْ في الشرع نصٌ على اعتبارها بعينها أو بنوعها، ولا على استبعادها (4)

فهذا النوع من المصالح المرسلة معتبر في حقيقته ضمن مقاصد الشريعة، وجمهور العلماء قد اعتبروا حجية المصلحة المرسلة، وإن أنكرها بعضهم، كما هو منسوب للشافعية والحنفية إلا أن كتبهم واجتهاداتهم قائمة في كثير منها على اعتبار المصلحة المرسلة (5).

فإنها وإن لم ينص دليل خاص على اعتبارها، لكن الاستقراء التام لنصوص الشرع يدل على قيام الشريعة كلها على جلب المصالح واعتبارها، ودرء المفاسد وإلغائها أوتخفيفها.

يقول الإمام الشاطبي ـ رحمه الله ـ:» والشريعة ما وُضعت إلا لتحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل ودرء المفاسد عنهم «(6).

ويقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ:» الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها «(7).

والصحابة -رضي الله عنهم- جروا في اجتهادهم على رعاية المصالح وبناء الأحكام عليها، فمن ذلك: جمْع صحف القرآن في مصحف واحد، وجمْع المسلمين على مصحف واحد، وتضمين الصُنّاع، وقتل الجماعة بالواحد، وتعريف الإبل الضالة، ومنع صرف الزكاة للمؤلفة قلوبهم وغير ذلك.

يقول الآمدي -رحمه الله-:» فلو لم تكن المصلحة المرسلة حجة أفضى ذلك أيضاً إلى خلو الوقائع عن الأحكام الشرعية لعدم وجود النص أو الإجماع أو القياس فيها «(8)

وبذلك تبقى الشريعة مرنة صالحة للناس لا تقف بهم وسط الطريق بل تحكم أفعالهم وترفع الحرج عنهم والله -عز وجل- قد جعلها رحمة للعالمين.

والدعوة إلى الله -عز وجل- نوع من أحكام الإسلام؛ أمر الله -عز وجل- بها وحث عليها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فأحكامها ووسائلها راجعة إلى قواعد الشرع وأدلته وأحكامه.

وبناء على ما تقدم نعرف أن المصلحة الدعوية إذا لم يشهد لها الشارع باعتبار أو بإلغاء فهي من قبيل المصلحة المرسلة شرعاً. واعتبارها حجة؛ أمر مقرر عند العلماء، وذلك لقيام الشريعة كلها على جلب المصالح ودفع المضار.

فما يراه الدعاة من أمور الدعوة وقضاياها فيه مصلحة كان حكمه الاعتبار وما رأوا فيه مفسدة كان حكمه الإلغاء والرد. ولكن العلماء خشيةً منهم في دخول الهوى وحظوظ النفس في اعتبار المصلحة أو إلغائها بالنسبة للعلماء أو الدعاة وخصوصاً ما يحدث ويستجد من أمور قد يختلط على الناظر تقدير المصلحة على وجهها الصحيح قرّروا في ذلك ضوابط لا بد منها في الأخذ بالمصلحة، واعتبارها دليلاً يُحتج به في النوازل والحوادث والمستجدات، وعند تغير الظروف والأحوال والأزمنة.

وهذه بعض الضوابط الشرعية في المصلحة الدعوية:-

أولاً: اندراجها ضمن مقاصد الشريعة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير