تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[2] أن النية الخالصة الكريمة تنجي صاحبها من المصائب، وتبلِّغه أحسن المراتب: وما إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه سهم بدرٍ وهو في بيته ببعيد [5]، ولا قوله صلى الله عليه وسلم في البيعة: (هذه عن عثمان) بعجيب [6]، مصداقاً للهَدْي النبوي (إن بالمدينة لأقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلاّ شركوكم في الأجر حبسهم العذر) [7]، ولله درُّ من قال:

يا ظاعنين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحا

إنّا أقمنا على عجز ومعذرةٍ ومن أقام على عجز فقد راحا

فلما كانت نية جريج متنازَعة بين تعظيم حقِّ الله في الصلاة وحقِّ الأمِّ في البرِّ ولم يكن تأخره تعمداً ولا عقوقاً صريحاً (أجيبها أو أصلي)،و جاء في كتاب المظالم قال: (أجيبها أو أصلي؟ ثم أتته فقالت: اللهمّ لا تمته حتى تريَه المومسات)، وفي كتاب العمل في الصلاة بيان أنها نادت ثلاث مرات (نادت امرأة ابنها وهو في صومعةٍ فقالت: يا جريج، قال: اللهم أمي وصلاتي، قالت: يا جريج، قال: اللهم أمي وصلاتي، قالت: يا جريج، قال: اللهم أمي وصلاتي، قالت: اللهم لا يموت جريج حتى ينظر في وجوه المياميس)، ولما كان الشاغل جريجاً عن إجابة أمه هي الصلاة وليس أمراً دنيوياً حتى وُجِّهَ فعله بأنه خاف أن تجرّه إلى الدنيا فقد كتب الله له السلامة ونجاه من المصيبة التي حلت به، وهذا شبيه بما رواه أبو سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي فمرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني فلم آته حتى صليت، ثمّ أتيته فقال: ما منعك أن تأتي؟ ألم يقل الله (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)، ولم يعاقبه بالحرمان، بل قال له: لأعلّمنّك أعظم سورة في القرآن [8]. و لم يزل أهل العلم والإنصاف يرون لصاحب التأويل عذراً، كما تراه في قصة حاطب، وفي الطائفتين المتقاتلتين من الصحابة رضي الله عن الجميع وغفر الله لنا ولهم.

[3] أن النية الفاسدة واقتراف الجرائم الشنيعة لا سيّما إذا كان في ذلك ظلم الأبرياء لا بدَّ من افتضاح صاحبها، نسأل الله السلامة: فعلى حين جاء الفرج إلى جريج بالبراءة خذل الشيطان هذه المومس، فأنطق الله ولدها بالحق الدامغ، فإذا بكيدها زاهق (من أبوك يا غلام؟). وفي باب العمل في الصلاة قال: (يا بابوس من أبوك؟ قال: راعي الغنم)، ولاحظ هنا أنّ الذي برَّأ الله به جريجاً هو ولد المومس الكاذبة. وفي قصة يوسف عليه السلام أنطق الله الحكم (وشهد شاهد من أهلها).

[4] إنَّ شأن بني إسرائيل الكذب على الأنبياء والعُبّاد، كما قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذنوا موسى فبرَّأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً)، وقصَّ علينا القرآن ما رموْا به مريم عليها السلام من الإفك: (قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سَوْءٍ وما كانت أمك بغياً). فما ينبغي أن يغترّ المسلمون بوعود اليهود فإنهم لا إيمان لهم ولا أيمان على قراءتيْ الجمهور وابن عامر الشامي.

[5] أن الدنيا كلها تتخلى عن المؤمن إذا ابتلي وظُلم، إلا ما يسخِّره الله له: ليعلم أنّ الرحمة منه (قل الله ينجِّيكم منها ومن كل كرب)، ورضي الله عن عائشة حيث قالت حين برَّأها الله وأبى أبو بكر وأم رومان رضي الله عنهما أن يحدِّثا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يعرفانه من حالها وقالا: ماذا نقول؟ وكانت تبيت على الحال التي وصفَتْها " قد بكيت ليليتين ويوماً لا أكتحل بنومٍ ولا يرقأ لي دمع، يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي"، فلما أنزل الله براءتها قالت لها أمها: قومي إليه، قالت: فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عزَّ وجلَّ [9].

[6] استحباب الترفق في الدعاء عند الغضب على من تُرجى عافيته وعودته إلى الحقِّ: كما نبّه الحافظ ابن حجر رحمه الله على أنَّ (أمّ جريج مع غضبها منه لم تدع عليه إلاّ بما دعت به خاصة ولولا الرفق به لدعت عليه بوقوع الفاحشة أو القتل) [10]، وصلى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إذ آثر الصبر على البلاء على الدعاء على القرشيين بإطباق الأخشبين رجاء أن يُنصر الدين بهم. وقد كان في إسلام عمر وحمزة عزّة للمسلمين، وكان في إسلام أبي سفيان فتح، بل كان في مسلمة الفتح خيرٌ كثيرٌ إذ استفاد من حكمتهم عمر في محنة الطاعون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير