ويلتحق بتعارض القول مع الفعل، تعارض الهم بالفعل مع القول، ولا شك أن الهم بالفعل ليس بفعل، وان كان الله - تعالى - يثيب على الهم بالحسنة، ولا يعاقب على الهم بالسيئة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: “من هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة فان هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة” (6).
والهم مرحلة تسبق الفعل مباشرة تسبقها مراحل، اذ نقل السيوطي (7) عن السبكي (8) انه قال: الذي يقع في النفس من قصد المعصية على خمسة مراتب: الأول: الهاجس، وهو ما يلقي فيها، ثم جريانه فيها وهو الخاطر، ثم حديث النفس، وهو ما يقع فيها من التردد هل يفعل أو لا؟ ثم الهم، وهو ترجيح قصد الفعل، ثم العزم، وهو قوة ذلك القصد والجزم به.
(4) التمهيد: 1/ 312.
(5) انظر: ابو داود - السنن: 1/ 3 - 4 رقم (11)، والبيهقي في "السنن الكبرى:1/ 92 وفي "معرفة السنن والآثار":1/ 334 رقم (811)، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، نشرته عدة دور في باكستان، وحلب، والقاهرة معاـ، ط الأول 1412هـ/1991م.
(6) اخرجه البخاري في "صحيحه":7/ 187 كتاب الرقائق، ومسلم في "صحيحه":1/ 118 رقم (206)، ورواه في 1/ 117 رقم 203،204،205 مضافا الى الله تعالى - والترمذي في "الجامع الصحيح":5/ 265 رقم 3073 وغيرهم.
(7) الاشباه والنظائر: 33 دار الكتب العلمية - بيروت، ط الاول 1399هـ/1979م.
(8) هو علي بن عبد الكافي السبكي الأنصاري، تقي الدين، شيخ الاسلام، أحد الحفاظ المفسرين المناظرين، وهو والد تاج الدين السبكي صاحب طبقات الشافعية له مصنفات عديدة منها: "الابهاج في شرح المنهاج" و "السيف المسلول على من سب الرسول" وغير ذلك، توفي سنة (756هـ/1355م).
انظر ترجمته: السبكي - طبقات الشافعية:6/ 149 - 226. ابن الجزري - غاية النهاية في طبقات الفراء: 1/ 551 نشره: ج. برجستراسر، دلار الكتب العلمية - بيروت ط الثالثة 1402هـ/1982م. ابن حجر - الدرر الكامنة: 3/ 134 - 142، والسيوطي - حسن المحاضرة: 1/ 177.
ورأى القرافي (9) أن الهم والعزم مترادفان فقال (10) بعد تعريفه للهم والعزم: “فظاهر أنه -أي الهم - مراد في للعزم، وأن معناهما واحد”.
ويرى الغزالي (11) أن أحوال القلب قبل العمل بالجارحة أربعة (12): الخاطر، وهو حديث النفس، ثم الميل، ثم الاعتقاد، ثم الهم.
اذا فالهم عند جميعهم - تقريبا - هو المرحلة التي تسبق الفعل تماما.
أما مثال تعارض الهم مع أقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو ما ورد في الصحيحين (13) واللفظ للبخاري - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: “والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف والى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، ... ”.
وهذا يتعارض مع حديث آخر رواه البخاري (14) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعث، فقال: “ان وجدتم فلانا وفلانا، فاحرقوهما
(9) هو احمد بن ادريس بن عبدالرحمن الصنهاجي، البهنسي، شهاب الدين، من علماء المالكية مصري المولد والمنشأ والوفاة، له مصنفات جليلة في الفقه والأصول منها: "انوار البروق في انواء الفروق" و "شرح تنقيح الفصول" في الأصول وغير ذلك، توفي سنة: (684هـ/1285م).
انظر ترجمته: ابن فرحون - الديباج المذهب: 62 - 67، الصفدي - العوافي بالوفيات 6/ 233 ابن تغري بردي - المنهل الصافي: 1/ 232 - 234 تحقيق: د. محمد محمد أمين - الهيئة العامة للكتاب 1984 ابن القاضي - درة الحجال: 1/ 8، ومخلوق - شجرة النور الزكية: 188 - 189.
(10) الأمنيه في ادراك النية: 9، دار الكتب العلمية - بيروت، ط الاولى: 1404هـ/1984م.
(11) هو الامام ابو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي، الطوسي، الشافعي: وصفه الذهب ب الشيخ الامام البحر حجة الاسلام، اعجوبة الزمان، صاحب التصانيف النافعة الكثيره، منها "احياء علوم الدين" و "الاقتصاد في الاعتقاد" وغير ذلك توفي سنة 505هـ
انظر ترجمته: ابن عساكر - تبين كذب المغتري: 291 - 306، ابن الجوزي - المنتظم 17 - 124 - 127 الصريفيني - المنتخب من كتاب السباق: 76 - 78، ابن خلكان - وفيات الاعيان: 4/ 216 - 219 الذهبي - سير أعلام النبلاء: 19/ 322 - 346، السبكي - طبقات الشافعية الكبرى: 6/ 191 - 289.
¥