» لضعف المستوى العلمي عند الصحابة، ولو فسره لهم رسول الله r بما حوت آياته من علوم ومعارف فقد لا يستوعبونها، وقد تكون محل استغراب بعضهم، والعلماء الذين جاؤوا بعد الصحابة قدموا بعض المضامين العلمية للآيات، ولذلك قيل: خير مفسر للقرآن هو الزمن «.
وهذا القول من ذلك الفاضل من أعجب العجب، إذ كيف يكون خيرة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ضعيفي المستوى العلمي، ومالمراد بالعلم الذي ضعفوا فيه؟!
أليسوا أعلم الأمة، والأمة عالة عليهم في هذا؟!
ألم يخبرهم الرسول r بما هو كائن إلى يوم القيامة؟! حفظه منهم من حفظه، ونسيه من نسيه.
إن مثل هذا القول خطير، وإني لأحسن الظن بأن قائله لم يتنبه لما يتبطنه هذا الكلام من خطأ محضٍ، وأن الأمر يحتاج إلى تعديل أسلوب وعبارات، والله المستعان.
وبعد، فإن هذين النقلين اللذين نقلتهما فيما يتعلق بالإعجاز العلمي إنما هما عن أفاضل ممن تكلموا في الإعجاز العلمي دون غيرهم ممن تخبط في هذا المجال.
وهنا يجب أن يُفرَّق بين فضلهم، وما لهم من قدم في الدعوة إلى الله، والحرص على هداية الناس، وبين ما وقعوا فيه من الخطأ، فالأول يشكر لهم ويُذكر ولا يُنكر، ولكن هذا الفضل ليس حجابًا حاجزًا عن التنبيه على ما وقعوا فيه من الخطأ.
كما أن التنبيه على خطئهم لا يعني نبذهم وعدم الاعتداد بهم، وإنما المقصود هنا تصحيح المسار في هذه القضية التي رُبِطت بكتاب الله، وجُعلت من أهم ما توصل إليه المعاصرون، بل جعله بعضهم هو طريق الدعوة للكفار.
وأختم هذا البحث بمسائل متفرقة في هذا الموضوع، وهي كالآتي:
أولاً: قضايا العلم التجريبي بين القرآن والعلم الحديث:
% العلم بالسنة الكونية لا يرتبط بالمعتقد، ولا بالأفكار؛ لأنها نتيجة البحث والتأمل، وهي من العلوم التي وكلها الله لعباده، فعلى قدر ما يكون الجهد في البحث يصل البشر بإذن الله إلى نتائجه المرجوة، ولما كان الوصول إلى هذه العلوم التجريبية مرتبطًا بالقدرة على البحث ووجود المناخ المناسب له، وكان الغرب الكافر قد حرص عليه، فإنهم قد سبقوا المسلمين في ذلك.
% أن إشارة القرآن لبعض هذه المسائل المرتبطة بالعلوم التجريبية لم يكن هو المقصد الأول، ولم ينْزل القرآن من أجلها، وإذا وازنتها بين المعلومات العقدية والشرعية، ظهر لك أنَّ المعلومات العقدية والشرعية ـ أي: كيف يعرفون ربهم، وكيف يعبدونه ـ هي الأصل المراد بإنزال القرآن، وهي التي تكفلَّ الله ببيانها للناس، أما المعلومات الدنيوية بما فيها العلوم التجريبية فهي موكولة للناس كما سبق، وإن جاءت فإنها تجيء مرتبطة بالدلالة على حكم عقدي أو شرعي، فهي جاءت تبعًا وليس أصالةً؛ أي أن القرآن لم يقصد أن يذكرها على أنها حقيقة علمية مجردة، بل ليستدل بها مثلا: على توحيد الله وأحقيته بالعبادة، أو على حكم تشريعي، أو على إثبات اليوم الآخر.
% القضايا العلمية التي يفسر بها من يبحث في الإعجاز أو التفسير العلمي لا يدركها إلا الخواص من الناس، ولا يوصل إليها إلا بالمراس.
% الفرق بين القرآن والعلم التجريبي في تقرير القضية العلمية:
1 ـ أن القرآن يقررها حقيقة حيث كانت وانتهت، والعلم التجريبي يبدأ في البحث عنها من الصفر حتى يصل إلى الحقيقة العلمية.
2 ـ القرآن يذكر القضية العلمية مجملة غير مفصلة، أما العلم التجريبي فينحو إلى تفصيل المسألة العلمية.
% علم البشر قاصر غير شمولي، ونظره من زاوية معينة، لذا قد يغفل عن جوانب في القضية، فيختلَّ بذلك الحكم ونتيجة البحث.
وقد يكتشف ما لم يحتسب له عن طريق الصدفة لا الممارسة العملية.
% القرآن طرح القضايا العلمية بعيدًا عن الخيالات التي كانت إبان نزوله، سواءً أكانت هذه العلوم عند العرب أم عند غيرهم، وهذه الخيالات بان خطئوها في القرون المتأخرةِ، ولا يزال هناك غيرها مما سيكشفه العلمُ التجريبي، وكل ذلك مما لا يمكن أن يخالف حقائق القرآن إن صحَّة تلك العلوم.
% قد تكون بعض القضايا العلمية صحيحة في ذاتها، لكن الخطأ يقع في كون الآية تدلُّ عليها، وتفسَّر بها.
ثانيًا: موقف المسلم من قضايا العلوم التجريبة المذكورة في القرآن:
¥