تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإذا تأملت هذين التفسيرين وعرضتهما على سياق القرآن ومقاصده، فأي القولين أولى وأقوى؟

لا شكَّ أن ما ذكره السلف أولى وأقوى، والثاني ـ وإن كان محتملاً ـ لا يرقى إلى قوته، وإن قٌبِلَ هذا القول المعاصر على سبيل التنوع فالأول هو المقدَّم بلا ريب.

ووجه قوته كائن في أمور:

الأول: أن ما قاله السلف مُدركٌ في كل حين، منذ أن نزل الوحي بها إلى اليوم، أما ما ذكره المعاصرون، فكان خفيًّا على الناس حتى ظهر لهم أمر هذا المعنى هذا اليوم.

الثاني: أن التنبيه عن امتناع الإيمان عنهم بامتناع صعود الإنسان إلى السماء أقوى وأولى من التنبيه عن تشبيه الحرج والضيق الذي يجده الكافر في نفسه بما يجده من صعِدَ طبقات السماء.

فالحرج والضيق مدرك منه بخلاف امتناع الإيمان الذي يخفى سبيله، وهو الذي جاء التنبيه عليه في الآية، وذلك من دقيق مسلك قدر الله سبحانه.

4 ـ أن لا يُقصَر معنى الآيةِ على هذا المعنى المأخوذ من البحوث التجريبية.

وهذا الضابط كثيرًا ما ينتقضُ عند أصحاب الإعجاز العلمي، وقد وجدت حال بعضهم مع تفسير السلف على مراتب:

ـ فمنهم من لا يعرف تفسير السلف (الصحابة والتابعين وأتباعهم) أصلاً ولا يرجع إليه، وكأنه لا يعتد به ولا يراه شيئًا. وهؤلاء صنفٌ يكثر فيهم الشطط، ولا يرتضيهم جمهورٌ ممن يتعاطى الإعجاز العلمي.

ـ ومنهم من يقرأ تفسير السلف، لكنه لا يفهمه، وإذا عرضه فإنه يعرضه عرضًا باهتًا، لا يدل على مقصودهم، ولا يُعرف به غور علمهم، ودقيق فهمهم.

ـ ومنهم من يخطئ في فهم كلام السلف، ويحمل كلامهم على غير مرادهم، وقد يعترض عليه وينتقده، وهو في الحقيقة إنما ينتقد ما فَهِمَه هو، وليس ينتقد تفسيرهم؛ لأنه أخطأ في فهمه.

ومما يظهر من طريقة عرض أصحاب هذا الاتجاه لما توصلوا إليه من معانٍ جديدة أنهم يقصرون معنى الآية على ما فهموه، دون أن ينصوا على ذلك صراحة، وهذا مزلق خطير لا ينتبه إليه كثير من الفضلاء الذين دخلوا في هذا الميدان.

بل إنهم يتفوهون بكلام يلزم منه تجهيل الصحابة وتصغير عقولهم، وأني لأجزم أن هؤلاء الفضلاء لو تنبهوا لهذا اللازم لعدَّلوا عباراتهم، لكن طريقة البحث التي سلكوها جعلتهم لا ينتبهون إلى هذا المزلق الخطير.

ومن ذلك أن بعضهم يقول:» ... وهناك آيات وألفاظ قرآنية لم تكن لتفهم حقيقتها حتى جاء التقدم العلمي يكشف عن دقة تلك المعاني والألفاظ القرآنية، مما يوحي إلى كل عاقل بأن كلام الكتاب الكريم كلام الله المحيط علمًا بكل شيء، وإن كان قد حدث جهلٌ بفهم بعض ألفاظه ومعانيه، فإن زيادة علوم الإنسان قد جاءت لتُعرِّف الإنسان بما جهل من كلام ربه «.

ألا يلزم من هذا الكلام أن الصحابة قد خفي عليهم شيء من معانيه، وكذا خفي على التابعين وأتباعهم، وبقي بعض القرآن غامضًا لا يُعرف حتى جاء (التقدم العلمي!) فكشف عن هذه المعاني.

ولو كان يعتقد هذا اللازم، فالأمر خطير جدَّا. لكني لا أشكُّ ـ محسنًا الظن بقائله ـ أنه لم يتنبه لهذا اللازم الخطير، وأُراه لو انتبه له لعدَّل عبارته.

ولقد كان من نتيجة هذا التقعيد أن لا تُذكر أقوال السلف بل يذكر ما وصل إليه البحث التجريبي المعاصر، وتفسير الآية به، وهذا فيه قصر لمعنى الآية على ذلك التفسير الحادث، وهذا خطأ محضٌ.

وقد سئل آخر: لماذا لم يبين الرسول هذه الوجوه للصحابة؟

فكانت إجابته أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لو أخبرهم بهذه الحقائق العلمية لما أدركوها، وقد يقع منهم شك أو تكذيب.

وهذا الجواب من أعجب العجب، فكيف يقال هذا في قوم آمنوا بما هو أعظم من هذه الحقائق الكونية، وأرى أن خطأ هذا أوضح من أن يوضَّح، وإني أخشى أن يكون هؤلاء ممن فرح بما أوتي من العلم، فنسب الجهل للصحابة الذين آمنوا بما هو أعظم من هذه الأمور.

ألم يؤمنوا بأن الرسول r أسري به، ثم عرج به في جزء من الليل، ورأى ما رأى من آيات ربه الكبرى؟ أليس هذا أعجب مما يذكره الباحثون التجريبيون؟

وقل مثله في غير ذلك مما آمنوا به وصدَّقوا ولم يعترضوا.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإني قد رأيت لأحد الفضلاء كتابًا في مناهج المفسرين، وأجاب عن سبب عدم تفسير النبي r القرآن كاملاً، وكان مما أجاب به، فقال:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير