وإذا بقي همُّنا منصبًّا على العناية بما يسمى بالإعجاز العلمي لإثبات صحة هذا الدين لأولئك الذين لا يؤمنون إلا بالحقائق المادية، فإننا سنبقى عالة على الغرب ننتظر منه كل جديد في العلوم، ثمَّ نبحث ما يوافقه في شرعنا، ولا يخفاك ما دخل علينا من هذه العلوم مما هو مخالف لشرعنا، وما ذاك إلا بسبب أنَّ موقفنا نحن المسلمين موقف التلميذ الضعيف المتلقي الذي يشعر أنه لا شيء عنده يمكن أن يقدمه.
والبحث العلمي بلا قوة تحميه لا يمكن أن ينفعل في الواقع، لذا لابدَّ من أن يواكب العلم قوةٌ تكون في الأمة كي تدعم هذا العلم وتحافظ عليه، وإلا صار ما تراه من هجرة العلماءِ عن ديار المسلمين إلى ديار الغرب الكافرة.
وأسأل الله أن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأرجو أن يبعد عني وعنكم الشطط والتحامل في هذه القضية وفي غيرها، وإن هذه القضية بالذات حسَّاسة، وتدخلها العواطف، ويبرز في الردَّ على من يعترض عليها الكتابة الخطابية، فتخرج عن كونها قضية علمية تحتاج إلى تجلية وإيضاح إلى قضية دفاع عن مواقف وشخصيات.
وأقول أخيرًا: إنَّ في الموضوع قضايا كثيرة تحتاج إلى تجلية وإيضاح، ولولا ضيق المقام لأشرت إليها، وإني أسأل الله أن يوفقني ويعينني على الكتابة فيه على منهجٍ عدل وسط لا شطط فيه.
قال السائل: تفسير الصحابي للآية، هل يعتبر حجة يجب الأخذ بها؟ خصوصاً إذا لم يتابعه عليه أحد.
الجواب: إن هذا افتراض عقلي، فهل يوجد له مثال كي يُتكلَّم عنه، وإلا فلو أُجيب عن كل افتراض لكثر الكلام، وطال المقام، والنتيجة المحصَّلة ليست بشيء، فأرجو منك أيها الأخ الكريم أن تذكر مثالاً لذلك ليناقش عبر المثال.
وقولك:» ولم يتابعه عليه أحد «ماذا يعني؟
هل يعني أنه عُرِفَ التفسير عنه، ولم يؤخذ به، فإن كان ذلك كذلك، فأين مثاله.
أو أنه لم يُعرف، وهو قول غير مشهورٍ، وهو قول مطمور وُجِدَ بعد زمن من الأقوال المنقولة.
وكل هذا مما يحتاج إلى مثال، لكن مما يجب أن يُعلم أن قول الصحابي ـ من حيث الجملة ـ معتبر في التفسير، والله الموفق.
إذا اختلف في التفسير اثنان من الصحابة، أحدهما ابن عباس؛ هل يجب الأخذ بقول الحبر؟ أم ينظر في ذلك إلى القرائن، كمطابقة ظاهر اللغة، والمعلوم من خطاب الشارع، ونحو هذا؟
الجواب: لا يلزم الأخذ بقول الحبر مطلقًا، لأنَّ في ذلك إدعاءٌ العصمة له من الخطأ، وذلك ما لا يقال به، لكن إذا وقع الاختلاف في التفسير بينهم، عُمِدَ إلى المرجِّحات عن كان الاختلاف يحتاج إلى ترجيح، لكن إذا كان الاختلاف من باب التنوع، والآية تحتمل هذه الأقوال، فليس أحدها متروكًا، بل كلها معتبرة، والله أعلم.
قال السائل: هل بالإمكان أن يأتي متأخِّر بتفسير معتبر لآية غفل عنه المتقدّمون؟
الجواب: هذه المسألة مهمة جدًّا، وهي تحتاج إلى معرفة ما يترتب على القول بأن المتأخرين لا يمكن أن يأتوا بتفسير معتبر لم يقل به المتقدمون، إذ نتيجة القول بأنَّ المتأخرين لا يمكن أن يأتوا بتفسيرٍ معتبر لم يقل به السلف ما يأتي:
1 ـ أن التفسير توقَّف على ما قال به السلف فقط.
2 ـ أنه لا يجوز القول في التفسير بغير ما قال به السلف.
3 ـ أن كل قول بعد قولهم، فهو باطل على الإطلاق.
والمسألة ترجع إلى أصل من أصول التفسير، وهي مسألة (وجوه التفسير)، فهل يوجد للآية أكثر من وجه تفسيري معتبر أم لا؟، وإنما قلت: معتبرًا؛ لئلا يُفهم أن الوجوه الباطلة والباطنة تدخل في مرادي.
وهذه المسألة قد فهمها السلف ومن جاء بعدهم من العلماء، وقد وجدت في تطبيقاتهم التفسيرية، ومن أمثلة أقوالهم:
عندَ تفسيرِه قولَ اللهِ تعالى:] وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيطَانٍ رَجِيمٍ [] الحجر: 17 [قالَ الشَّنقيطيُّ (ت: 1393):» … فقوله رضيَ اللهُ عنه: إلاَّ فهماً يعطيه الله رجلاً في كتابِ اللهِ، يدلُّ على أنَّ فَهْمَ كتابِ اللهِ تتجدَّدُ به العلومُ والمعارفُ التي لم تكنْ عند عامَّةِ الناسِ، ولا مانعَ من حمل الآيةِ على ما حملها المفسِّرونَ، وما ذكرْناه أيضاً أنَّه يُفْهَمُ منها، لِمَّا تَقَرَّرَ عندَ العلماءِ مِنْ أنَّ الآيةَ إنْ كانت تحتملُ معانيَ كلُّها صحيحٌ، تَعَيَّنَ حَمْلُهَا على الجميعِ، كما حَقَّقَه
¥