بأدلتِهِ الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ أبو العباسِ بنُ تَيمِيَّةَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ في رسالتِهِ في علومِ القرآنِ «().
وأما تطبيقاتهم، فأكثر من أن تُحصى، وإلا فما عمل المفسرون الذين جاؤا بعدهم؟!
ولقد بُحثت هذه المسألة ففي أصول الفقه، وصورة المسألة عندهم:
إذا ورد عن السلف تفسيران، فهل يجوز إحداث قول ثالث؟
وفي نظري أن إيراد هذه المسألة بهذه الصورة في كتب أصول الفقه فيه نظر؛ لنه لا يفرق بين علم التفسير وعلم الفقه.
فعلم الفقه يرتبط بالعمل، إذ يتضمن افعل أو لا تفعل، وهذا إما أن يكون كذا وإما أن يكون كذا، فلا يصلح القول الثالث في كثير من الحيان في مجال الفقه.
أما في مجال التفسير، فالتفسير مرتبط بالمعنى، والمعنى يمكن أن يتعدد، ولم يكن من شرط التفسير أنَّ السابقين قد أتوا على جميع محتملاته، بل هناك بعض المحتملات الصحيحة التي لم يذكرها السلف، وهذه المحتملات تقبل إذا توفرت فيها الضوابط الآتية:
1 ـ أن يكون المعنى المذكور صحيحًا في ذاته.
2 ـ أن لا يبطل قول السلف.
3 ـ أن تحتمله الآية.
4 ـ أن لا يُقصر معنى الآية على هذا المحتمل الجديد، ويترك ما ورد عن السلف.
وإن قال قائل: هل يعني هذا جهل السلف بهذا المعنى الذي ذكره المتأخرون؟
فالجواب: إنه لا يلزم أن يوصف السلف بجهل المعنى الجديد، ولكن للمسألة وجه آخر، وهو أنه لو ظهرت لهم أمارات تدعو للقول به، وتركوه، أو قيل لهم فاعترضوا عليه، فإنه يمكن في هذه الحال أن يقال: لا يصلح القول به.
ومما يدل على ذلك تعدد اجتهاد السلف في طبقاتهم الثلاث (الصحابة والتابعين وأتباع التابعي)، ولو كان لا يجوز القول في التفسير إلا بما سمعوا، لما ورد تفسير للصحابة، ولو اكتفى التابعون بما سمعوه من الصحابة لما ورد تفسير للتابعين ... الخ.
ولو كان التفسير لا يجوز فيه الاجتهاد والإتيان بمعنى جديد، لكان مما بينه الرسول r ، ولم يتركه لمن بعده.
ومما يستأنس به في هذا المقام أن بعض السلف قد نزَّلوا آيات على بعض أهل البدع الذين عاصروهم، وهذا من باب الرأي، ولو كان لا يجوز مثله لما قالوا به، والله أعلم.
وإنما ترك الرسول r تفسير جميع القرآن، وفسَّر بعضه مما احتاج التنبيه عليه أو مما وقع في إشكال على الصحابة، فسألوه، فأجابهم.
أما ما بقي مما لم يفسر الرسول r فإنه ـ مع وجود اختلاف بين السلف ـ معلوم لا يحتاج إلى بيان نبوي في كل آية.
وأخيرًا، لا تكاد تجدُ قائلاً بهذه المسألة إلا أن يكون قولاً فلسفيًا؛ لأنه يخالف تطبيقات العلماء في التفسير، والله أعلم.
قال السائل: هل ترون تبايناً منهجياً بين المتقدِّمين والمتأخرين والمعاصرين في تفسير القرآن الكريم؟
الجواب: لست أعرف المراد بالمتقدمين والمتأخرين، لكن إن كان المراد بالمتقدمين السلف، وبالمتأخرين من جاء بعدهم، فلا شكَّ أن من اطلع على تفاسيرهم، فإنه سيجد فرقًا واضحًا بين معلومات التفسير بين الفريقين، كما سيجد فرقًا بينهم في طريقة كتابة التفسير، ومنهجهم فيه، وقد أشرتُ إلى شيء من ذلك في مبحث مفهوم التفسير من كتاب (مفهوم التفسير والتأويل ... ).
أما المعاصرون فلا يمكن أن ينفكوا عن ما كتبه من كان قبلهم، وإن كانت قد حدثت طرائق جديدة في التفسير، كالذي يسمى بالتفسير الموضوعي، والله أعلم.
قال السائل: ما رأيكم (وفقكم الله) فيما انتشر هذه الأيام من قيام بعض الباحثين بجمع شروح بعض الأئمِّة لآيات متعدِّدة في رسالة وتسميتها بـ "تفسير الإمام الفلاني"؟ حيث إنَّ أغلب كلام ذلك الإمام لا يكون تفسيراً مستقصياً للآيات، ولكن كلاماً مجملاً فيها.
الجواب: ما ذكره السائل صحيح بلا إشكال، ويمكن تلخيص الملحوظات على مثل هذا العمل فيما يأتي:
1 ـ أنَّ كثيرًا ممن جُمِع تفسيرهم لا يُعرفون بهذا العلم.
2 ـ أن فصل التفسير من وسط كلامٍ لا علاقة له بالتفسير فيه صعوبة بالغة، ولا يتأتى فصله في كل حين للباحث.
3 ـ أنَّ الباحث يُدخِل منقول العالم مع مَقُولِهِ، وينسب له التفسير، وذلك غير سديدٍ، إذ نقله لا يعني أنه يعتدُّ بذلك القول؛ إلا إذا قال بهذه القاعدة.
4 ـ أن بعض الباحثين يدخلون في جمعهم جملة من علوم القرآن التي لا علاقة لها بالتفسير.
¥