تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويظهر أنَّ هذه الصوتيات هي أكبر ما يراد بنُزول الأحرف السبعة، وهي التي يدل عليها قوله r :» أسأل الله مغفرته ومعافاته، وإن أمتي لا تطيق ذلك «، وقوله r :» يا جبريل. إني أرسلت إلى أمة أمية: الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ العاني الذي لم يقرأ كتابًا قط «.

إذ الذي يستعصي على هؤلاء هو تغيير ما اعتادوا عليه من اللهجات إلى غيرها، دون ما يكون من إبدال حرف بحرف، أو زيادة حرف، أو إعراب، فإن هذه لا تستعصي على العربي. لكن أن يكون عاش جملة دهره وهو يميل، فتريد أن تعوده على الفتح، أو كان ممن يدغم، فتريد أن تعوِّده على الإظهار = فذلك ما يعسر، والله أعلم.

ولا يفهم من هذه الجملة في هذا الحديث أنَّ الاختلاف في الأحرف يرتبط بهذه اللهجات دون غيرها من وجوه الاختلاف، بل يُحملُ هذا على أن هذا النوع المتعلق باللهجات هو أعظم فائدة مقصودة في نزول الأحرف السبعة، وليس هذا الفهم بدعًا، ففي الشريعة أمثلة من هذا النوع، ومن ذلك:

قوله r :» الحج عرفة «، والحج يشتمل على أعمال غير الوقوف بعرفة، فقوله r يدل على أنَّ هذه العمل أعظم أعمال الحج.

وقوله r في الحديث القدسي:» قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل: فإذا قال:] الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي. وإذا قال:] الرحمن الرحيم قال الله: أثنى علي عبدي. فإذا قال:] مالك يوم الدين قال: مجدني عبدي. فإذا قال:] إياك نعبد وإياك نستعين [، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل … «

وإنما سُمِّيت الفاتحة: الصلاة، وهي جزء منها؛ لأنها أعظم شروط الصلاة.

وكذلك قوله r :» الدين النصيحة «، وقوله r:» الدعاء هو العبادة «، وغيرها من الأمثلة التي يسمى فيها الجزء باسم الكلِّ؛ للتنبيه على أهميته، وللدلالة على الاعتناء به.

وإذا صحَّ لك هذا، فإنَّ جميع وجوه الاختلاف في القراءة تدخل في الأحرف السبعة، وأنَّ أعظم هذه الوجوه ما يتعلق باللهجات، والله أعلم.

علاقة الأحرف برسم القرآن:

يرتبط هذا الموضوع بلغات العرب، وقد سبق الحديث عنها، والمراد هنا التنبيه على كون ما يتعلق برسم القرآن من الأحرف السبعة هو ما يمكن رسمه من الألفاظ، أمَّا وجوه القراءة التي ترجع إلى اللهجات؛ كالإمالة والتقليل، والمد والإظهار والإدغام والسكت والتسهيل والإبدال، وغيرها = فلا يمكن أخذها من الصحف ولا كتابتها في المصاحف إلا بما يصطلح عليه أنه يشير إليها، ومعلوم أن علم ضبط المصحف كان متأخرًا، ولم يكن في عصر الصحابة إطلاقًا.

وهذا يعني أنك إذا قلت: كُتِبَ المصحف على الأحرف السبعة، فالمراد كتابة الألفاظ ووجوه قراءتها اللفظية لا الصوتية.

وهذه الصوتيات إنما تؤخذ عن السابق بطريق المشافهة والرواية، فينقلها كما سمعها، وهكذا من أو السند إلى منتهاه.

وبهذا تعلم أن رسم المصحف لا يمكن أن يحوي جميع وجوه الأحرف السبعة، وإنما يمكن أن يحوي منها ما يتعلق برسم الألفاظ، أمَّا غيرها فيؤخذ من طريق الأئمة القراء.

ولهذا السبب ـ لما أراد عثمان أن يلزم الناس بالقراءة التي أجمع الصحابة على أنها ما ثبت في العرضة الأخيرة ـ أرسل مقرئًا مع كل مصحف،فقد ورد أنه أمر زيد بن ثابت أن يقرئ في المدينة، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن أبي شهاب مع الشامي، وأبو عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري.

ومن ثَمَّ فالرواية قاضية على الرسم لا العكس.

تلخيص المراد بالأحرف السَّبعة

الأحرف السبعة: أوجه من الاختلاف في القراءة، وما لم ينسخ منها في العرضة الأخيرة، فهو محفوظ ومبثوث في القراءات المتواترة الباقية إلى اليوم.

ومن ثَمَّ، فإنه لا يلزم الوصول إلى سبعة أوجه في هذه القراءات المتواترة الباقية؛ لأنَّ بعض هذه الأحرف قد نُسِخَ.

كما أنه لا يلزم أن يوجد في كل كلمة سبعة أوجه من أوجه الاختلاف، وإن وُجِدَ، فإنه لا يتعدَّى السبعة، فإن حُكيَ في لفظ أكثر من سبعة، عُلِمَ أنَّ بعضها ليس بقرآن؛ كبعض الأوجه الواردة في قوله تعالى:] وَعَبَدَ الطَّاغُوت [.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير