تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

* تنبه نقاد الشعر في المغرب إلى عيب التضمين، وهو أن يكون معنى البيت متوقفا على البيت الذي يليه، لا يتم معناه إلا به، وهو عيب من عيوب القافية، ومنه قول النابغة الذبياني:

وَهمْ وَرَدُوا الجِفارَ على تَميمٍ وهم أصحابُ يومِ عُكاظَ إني

شَهِدْتُ لهُمْ مواطنَ صادقاتٍ أتيتُهُمُ بودِّ الصدرِ مني [41]

ومن نماذجه في النقد الشعري في المغرب قول (أحمد بن خالد الناصري)؛ صاحب كتاب (الاستقصا)؛ معلقا على بيتي ابن الونان:

فما استراحَتْ منْ عُبورِ جعْفَرٍ ومِن صُعود بصَعيدٍ زَلَقِ

إلا وفي خَضْخاضِ دمْعِ عينِها خاضَتْ وغابَتْ بسرابٍ مُطبِقِ [42]

\' وفي كلام الناظم التضمين العروضي .. فإن جملة البيت الثاني؛ وإن كانت حالا، والحالة فضلة؛ .. واجبة الذكر لوقوعها بعد إلا \' [43].

وما تجدر الإشارة إليه هنا أن استحسان اكتمال المعنى بانتهاء البيت الشعري عند النقاد القدامى أمر وارد ومقبول وحسن، وقد جرت عليه عادة كثير من الشعراء في معظم إنتاجهم الشعري، غير أن الذي لا نقبله، ونرى أن الحكمة ترفضه، وليس بمستساغ في منطق العقلاء أن يوصف الجيد من الشعر بالعيب والقبح لمجرد خلوه من التطابق بين الوقفة العروضية والدلالية. والسبب في نظرنا واضح وميسور جدا، وذلك بأننا حين نرى أن نفس الشاعر قد امتد لتوضيح ما يريد، فأتى بلبنات بناءة؛ تشكل كل واحدة منها نسيجا في بناء النص الشعري من غير إخلال بقواعد النظم؛ فليس من الحكمة في شيء أن نعيق الشاعر عن اتخاذ ما يراه مناسبا في التعبير عن تجربته الشعرية. [44]

وإلى جانب ما تقدم اهتم نقاد الشعر في المغرب بالبيت المدمج أو المدور، وهو البيت الذي اشترك شطراه في كلمة واحدة، أو هو - حسب تعريف (الناصري) - \' أن يكون آخر النصف الأول من البيت قد انقضى في بعض كلمة وتمام تلك الكلمة في أول النصف الثاني \' [45].

وعلى المستوى التطبيقي يعلق (الناصري) على بيتين قال فيهما ابن الونان:

وما ائْتَلَتْ تَذْرَعُ كلَّ فَدْفَدٍ أذْرُعُها وكلَّ قاعٍ قَرِقِ

وكلَّ أبْطَحَ وأجْرَعَ وجِزْ عٍ وصَريمةٍ وكلَّ أبْرَقِ [46]

\' واعلم أن البيت الثاني يسميه العروضيون المدمج .. ككلمة جزع هنا في نصف البيت قد انقضى عند الزاي منها، والعين من أول النصف الثاني، وقد ارتكبه الناظم في أبيات يسيرة من هذه الأرجوزة، وهو مستثقل \' [47].

إن الاصطلاحات الخاصة بعيوب الشعر قليلة ومحدودة في نقد المغاربة، ولعل السبب في ذلك هو تنقيح الشعراء لقصائدهم نتيجة استجابتهم لإرشادات النقاد الداعية إلى تجنب كل ما من شأنه أن يشين الشعر ويذهب بمائه [48].

• لم يغفل نقاد الشعر في المغرب الظواهر التي تطرأ على اللغة، ويضطر إليها الشعراء اضطرارا. ومن نماذج هذه الضرائر قول المتني يصف سيفا:

يذيبُ الرُّعْبُ مِنْهُ كُلّ عقْبٍ فَلَوْلا الغَمْدُ يُمْسِكُهُ لسَالا

فيثبت فيه خبر (لولا) مع أنه ممنوع عند جمهور النحويين، فيتصيد (إبراهيم البوكيلي) هذا الخطأ، ويرفض تأويله حتى إن قيل إن هذا الضرب من الشعر جائز لأنه في حكم الضرورة [49].

ومثل هذه الأخطاء كثيرة في شعر المتنبي، يختار منها (إبراهيم البوكيلي) نموذجين، فأما الأول فهو قول الشاعر:

لَعَظُمْتَ حَتّى لَوْ تَكونُ أمَانَة مَا كانَ مُؤتَمناً بِها جِبْرينُ [50]

فيعلق الناقد على هذا القلب الاضطراري قائلا: \' وقلب اللام نونا في جبريل أبغض من وجه المنون، ولا أحسب جبريل يرضى منه بهذا المجاز \'.

أما النموذج الثاني فهو قول المتنبي مضطرا لحذف النون:

* جَلَلا كمَا بِي فَليَكُ التَّبْريحُ * [51]

فيعلق (إبراهيم البوكيلي) على هذا الشطر قائلا: \' حذف المتنبي هنا النون من (فليكن)، مع أن حذف النون من يكن إذا استقبلها الألف واللام – كما هنا – خطأ عند النحويين \' [52].

ويقول (عبد الله كنون) عن لفظ (دما) من بيت المكودي:

مَوْضِعُ حَتفٍ حانَ فيهِ حِينُهُمْ وَرُويتْ أقْطارهُ مِنَ الدّمَا

\' والدما جمع دم مقصور للقافية \' [53].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير