ويرتبط إيقاع البيت الشعري بالخصائص الصوتية للغة التي يكتب بها بصورة كاملة، تماما كما هو الحال بالنسبة لمقاطع الألفاظ في نثر اللغة المعنية؛ ويتعلق هذا، قبل كل شيء، بالزمن الذي يستغرقه المقطع في النطق والنبر الذي يقع عليه.
ونجد في كل اللغات طولا يمكن قياسه لمقاطع الكلمات، في حين لا يوجد في بعضها (كاللغات الجرمانية، على سبيل المثال)، قدر محدد ومعروف لطول المقطع وزمنه. (ومع أنه من المسلم به في تلك اللغات وجود مقاطع دائما طويلة، وأخرى دائما قصيرة، فإن هناك مقاطع كثيرة ليس لها قدر زمني محدد)، وفي المقابل، نجد في لغات أخريات، (كاللغة الإغريقية القديمة)، أن طول أي مقطع في أية كلمة محدد تماما. ويوجد في تلك اللغات تمييز دقيق بين مقاطع الألفاظ الطويلة والقصيرة في الكلام المنثور أيضا، وتقدر نسبة طولها بـ (1 إلى 2) تقريبا.
أما بالنسبة إلى عنصر النبر، فإن الوضع مماثل لما ذُكر عن المقاطع: فبينما يوجد في كل لغة مقطع واحد في الكلمة يكون أعلى نسبيا ـ عند النطق ـ من سائر المقاطع؛ فإن قوة هذا النبر تختلف بشكل كبير من لغة لأخرى. ولذلك، فإن قدماء الإغريق مثلا كانوا يستخدمون النغمة الموسيقية، ووفقا لذلك، فإن المقاطع المفردة يتم تمييزها فقط بواسطة النغمة العالية؛ في حين يتم تمييزها في اللغات الجرمانية من خلال نبرة زفيرية تخرج المقطع المعين أكثر تشديدا وتوكيدا، بالمقارنة مع المقاطع الأخرى. يفترض في البنية الإيقاعية لبيت الشعر في كل اللغات أن تتلاءم مع خصائص مقاطع الألفاظ. وإذا كانت كمية المقاطع محددة على نحو ثابت؛ فإن إيقاع البيت يتحقق غالبا عبر التكرار المنتظم لترتيب المقاطع القصيرة والطويلة، الذي يكوّن تفعيلات الوزن المحدد، والتي تستغرق القدر نفسه من حيث الزمن. وعليه، فإننا نتكلم هنا عن (النظم الكمي). وفي المقابل، لو كان النبر، وليس أي كم ثابت، هو العامل الرئيسي الذي يتم عن طريقه التمييز بين المقاطع المحددة، وبين تلك المقاطع التي يجاورها؛ فإن إيقاع الشعر وبنية وزنه سيعتمدان على نحو كبير على تعاقب المقاطع المنبورة، وغير المنبورة. وبإمكاننا أن نتحدث ـ في هذه الحالة ـ عما يمكن تسميته (شعر النبر).
من خلال النظر في النصوص القرآنية, وقصائد الشعراء القدامى التي وصلت إلينا, أصبح من المؤكد لدينا أن كم المقاطع اللفظية (الأطوال) في اللغة العربية القديمة كان ثابتا. ويمكننا أن نفترض, انطلاقا من حقائق نحوية ثابتة, أن النبرة الزفيرية كانت موجودة أيضا, على الرغم من أن تطورها كان ضعيفا آنذاك. ولذلك, بإمكاننا أن نفترض أن الإيقاع في الشعر العربي القديم قد عبر عن نفسه في الأوزان الكمية كما هو الحال في الشعر الإغريقي القديم. فالمعالجة النظرية لهذه المسألة كانت في ذلك الوقت صعبة جدا بالنسبة لعالم فقه اللغة العربية؛ في حين كانت أقل صعوبة بالنسبة للعروضي الإغريقي. استخدم الإغريق مصطلح (المقطع) , وأظهروا بذلك تمييزا واضحا بين المقطع القصير والمقطع الطويل, واختاروا المقطع القصير ليكون الوحدة الأساس لقياس زمن (طول) بيت الشعر. واستخدموا أيضا مصطلحا, وإشارة بيانه لدرجة النغمة التي يتميز بها المقطع الواحد عن الآخر في أية لفظة. وبالمقارنة, فإن علماء فقه اللغة العرب لم يمتلكوا مفهوم المقطع, هذا بغض النظر عن نقاوة "المقطع القصير".
ولم يكن الخليل أيضا يستخدم كلمتي (المقطع اللفظي) و (النبر)، مع أن أذنه بالتأكيد كانت تميز ما نسميه المقاطع والنبرات. ذلك أن شرحه البياني ـ الذي يمكن أن نستوعبه لو حاولنا جاهدين ـ يعطينا صورة واضحة للإيقاع في الشعر العربي القديم.
فقد استفاد الخليل أولا وبصورة جيدة من خصوصيات الكتابة العربية التي نلاحظ فيها أن مظهر كل كلمة يدل على عدد مقاطعها: فالحرف الواحد المتحرك, أي الحرف مع إشارة صوتية, مثل: (بـ ِ , قَ) يقابل ما نسميه المقطع القصير، والحرفان اللذان يكون الأول منهما متحركا ويكون الثاني ساكنا مثل "في, لَو, قَد" يقابلان ما نطلق عليه المقطع الطويل. وهناك كلمات قليلة لا ينطبق عليها هذا الحكم مثل: (بٍ = بِن، بٌ = بُن، وَالـ = وَلـ، آخَر= أاخَر، ذَلِك = ذالِك، قَتَّل= قَتتَل). وبفضل هذه الخصوصية في الكتابة العربية، استطاع الخليل أن يتناول وجه البيت باعتباره الأساس
¥