تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العبودية هي المنزلة الأعلى وبما أن الله تعالى اختار لرسوله صلى الله هليه وسلم في هذين الموطنين وصف العبد فإذن العبودية هي اشرف ما يكون. وفي سورة الكهف نجد الإنصياع لأمر الله وهي العبودية وعدم الفسق عن أمر الله الذي ورد في سورة الكهف عن قصة إبليس (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (50)) وكأن القصص الأخرى التي نجحت ليس فيها هذا وإنما فيها عبودية لله. إذن نحن أمام (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) في الإسراء وأمام (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ) في الكهف تتحدث السورة عن الرسول وفي أشرف شيء وفي أظهر وأعظم آية حصلت له من الآيات المنظورة التي حصلت له كونه ينتقل من مكان إلى مكان وهذا يسوقنا إلى أن هذا الكتاب المنزل بعد ذلك وهو الآية الدائمة له صلى الله عليه وسلم جاء مناسباً بعد ذكر هذه السورة.

وقت نزول سورة الإسراء كان مناسباً له صلى الله عليه وسلم وهو في مكة بعد عام الحزن فأسري به وأُري هذه الايات العظيمة لتثبيته عليه الصلاة والسلام. هناك جانب ربط آخر بين سورة الإسراء والكهف إذا صحت الرواية قضية الأسئلة التي وجهت للنبي صلى الله عليه وسلم (الأسئلة الثلاثة: إسألوا عن فتية خرجوا من أرضهم وآووا إلى كهف وعن رجل طاف الأرض واسألوه عن الروح) فأجابت الكهف عن اثنتين (أصحاب الكهف وذو القرنين) وأجابت الإسراء عن واحدة (الروح)، هذا جانب ربط. ولذلك هذه القصص الأربعة الموجودة في سورة الكهف لو تأملت حادثة الإسراء لوجدتها تعطي إشارات القصص الأربعة كلها. قضية الإسراء كحادثة عظيمة وغريبة فيها جانب الانتقال التي في الكهف فالرسول صلى الله عليه وسلم انتقل من مكان إلى مكان وفيها جانب البعد الموجود في قصة ذي القرنين طاف الأرض من مشرقها إلى مغربها وفي وقت وجيز وهذا يشبه طريقة الدجال في مسح الأرض. الأمر الثالث أن النبي صلى الله عليه وسلم كشفت له علوم عجيبة في علم الغيب في هذه الرحلة كما كُشف لموسى عليه السلام.

وقفات بلاغية في سورة الإسراء:

سورة الإسراء من أول كلمة تواجهنا وهي (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) كلمة سبحان كونها بدأت في أول السورة هذه ليست السورة الوحيدة ولكن جاءت في سور أخرى إلا أن سورة الإسراء هي الوحيد التي جاءت بالمصدر والمصدر هو الأصل وجاء بعد سبح، يسبح وسبح فجاءت كل اشتقاقات التسبيح في بدايات السور. وغذا جاءت كلمات التسبيح من دون ذكر ما يدل على ذلك اي ليس هناك ما يدعو إلى التسبيح كأن يوصف الله تعالى بوصف لا يليق أو ينسب إليه شيء يقال سبحان الله، لكن أحياناً تأتي سبحان الله بدون هذا كما في سورة الإسراء فدل ذلك على أن التنزيه ليس لأمر سابق بل لأمر لاحق فدل ذلك على أن الأمر الذي سيذكر بعدها أمر عظيم يستحق سبحانه وتعالى أن يسبح بسببه وذلك عسراء النبي صلى الله عليه وسلم وبعده المعراج وهذه تدل على قدرة الله سبحانه وتعالى. وورد في السورة نفسها (سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً (93)). وسورة الإسراء هي السورة الوحيدة التي جاء فيها التسبيح على أوسع نطاق ممكن (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ (44)) إذا كانت السموات والأرض تسبح لله فمن نحن حتى لا نسبح؟! (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)) ثم كل شيء يسبح بحمد الله لكن لا تفقهون تسبيحهم وهذه نقطة مهمة جداً في قضية ثبات الإنسان عندما يدعو إلى مبدأ صحيح، كون الناس لا ياخذون بكلامه يظن أن لا أحد يعبد الله، هذا غير صحيح فالكل يعبد الله وإنما قلة من الإنس والجن لا يعبدون الله فلا يشكلون شيئاً في خلق الله فبالتالي يرتاح الإنسان. ولهذا جاءت هذه السورة في عام الجزن لتدل على أن هذا الكون كله معك يا محمد ويسبح الله سبحانه وتعالى. ومن الآيات التي يسأل عنها دائماً في سورة الإسراء (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ (31)) مفتاح التعليل هنا هو (من إملاق) و (خشية إملاق) والإملاق هو الفقر الشديد فنتأمل في الآيات: خشية إملاق معناه أن الفقر غير واقع وأنه سيقع مستقبلاً والخوف على الأبناء لا على

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير