تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يرى الظاهرية أن الإجماع مقصور على الصحابة، فإمكانه موقوت بعصرهم، وحجيته ليست لاتفاق غيرهم، وسندهم في ذلك أن الإجماع لا يكون إلا عن توقيف من رسول الله (ص)، وصحابته هم الذين شهدوا ذلك دون غيرهم، فانحصر الإجماع فيهم وفي عصرهم، لأن العصمة من الخطأ كرامة يحتجون بها دون غيرهم من مجتهدي الأمة.

والذي يسنده الدليل أن أدلة حجية الإجماع وهي المفيدة لعصمة الأمة من الاتفاق على الخطأ جاءت عامة لا تخص عصراً دون عصر، فلا دليل على التخصيص ـ كما يقول بحق العلامة الشيخ محمد مصطفى شلبي ـ إلا ما قالوه: إنه لا إجماع إلا عن توقيف من رسول الله (ص)، أي إعلام منه بالأحكام، وهو لا يفيد القصر على الصحابة، لأن غير الصحابة قد نقلت إليهم أحاديث رسول الله وعلموا بها فلا فرق بينهم من هذه الناحية.

2 ـ حجية الإجماع:

اختلفت الأقوال في حجية الإجماع، ويكفي أن نعرض رأي جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة، فهم يرون أن الإجماع حجة مطلقاً لا فرق بين عصر وعصر، وأدلتهم في ذلك الكتاب والسنة والإجماع.

أ ـ أدلتهم من الكتاب: منها قوله تعالى: (ومَن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).

فالآية فيها وعيد لمن اتبع غير سبيل المؤمنين، وضمه إلى مشاقة الرسول التي هي من أشد أنواع الكفر، فيكون أتباع غير سبيل المؤمنين محظوراً ومتى حظر وجب إتباع سبيل المؤمنين وهو الإجماع.

ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) فالآية تفيد أن ما تتفق عليه الأمة حق لا يرد.

ب ـ أدلتهم من السنة: وهي كثيرة يأتي في مقدمتها قوله (ص): ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)) وهذا الحديث وإن كان من أخبار الآحاد، إلا أنه ورد بألفاظ مختلفة على ألسنة كثير من ثقات الصاحبة مع اتفاق المعنى نحو قوله (ص): ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة)) ومثل قوله: ((لا تجتمع أمتي على الخطأ)) وقوله (ص): ((يد الله مع الجماعة ولا يبالي الله بشذوذ من شذ)).

فهذه الأحاديث تدل على التواتر المعنوي الذي يفيد القطع بحجية الإجماع بناء على إثبات عصمة هذه الأمة.

ج ـ أدلتهم من العقل: الرسول خاتم النبيين وشريعته باقية إلى يوم الدين، وبقاء الشريعة بعد انقطاع الوحي يقتضي ضرورة عصمة الأمة، فإذا أجمع مجتهدوها على حكم كان ما أجمعوا عليه كالمسموع من رسول الله (ص)، والمسموع منه (ص) موجب للعلم قطعاً، فما أجمعوا عليه يأخذ حكمه.

وخلاصة القول في حجية الإجماع ـ كما يقول بحق العلامة مصطفى شلبي ـ أن هذه الأدلة في مجموعها تفيد ثبوت عصمة الأمة من الخطأ، فإذا اتفق أهل الرأي في الشريعة ـ وهم لا يتفقون إلا عن دليل شرعي ـ كان اتفاقهم حجة يجب العمل بها لا فرق بين عصر وعصر، لأن الأحاديث مصرحة بلفظ الأمة وهو صادق على المؤمنين من الصحابة وعلى مَن جاء بعدهم، فمن قصر حجية الإجماع على إجماع الصحابة، وقال إن الصحابة كانوا قليلين بالنسبة لغيرهم فيسهل معرفة آرائهم لأنهم كانوا مجتمعين في مكان واحد، ويمكن معرفة آراء الذين انتقلوا خارج المدينة، قلنا: إن هذا المعنى يفيد سهولة تحقق الإجماع في عصرهم لا أنه يقصر الحجية على إجماعهم لعموم الأدلة، فحجية الإجماع عامة متى تحقق، فلو فرضنا وسيلة في أي عصر لجمع المجتهدين أياً كان عددهم لتوقفنا على آرائهم فلا نمتنع عن القول بحجية ما اتفقوا عليه.

3 ـ سند الإجماع:

لابدّ للإجماع من سند شرعي وإن لم نطلع عليه، لأن الجرأة على الفتوى في أحكامه تعالى بدون دليل حرام لا يكون من المجتهدين.

وفائدة الإجماع تأتي من تعاضد الأدلة، فالمسألة الظنية بعد الإجماع تصبح قطعية، وتخرج بذلك من دائرة الخلاف، وهذا هو ما يسمى بأثر الإجماع في سنده.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير