تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[المدارس الفقهيه في الأحساء.]

ـ[جعفر بن مسافر]ــــــــ[27 - 08 - 08, 06:03 م]ـ

خلافا للمناطق السعودية الكبرى تبدو مدينة الأحساء الواقعة في أقصى شرقي المملكة، ذات ملامح وتكوينات مختلفة عن مثيلاتها من المدن، إذ تزخر بعدد كبير من المدارس الشرعية السنية التي تلعب دورًا يفوق ما تقوم به غيرها من المدارس الشرعية في باقي المناطق، وذلك تبعًا للملمح المجتمعي المختلف الذي يسم مدينة الأحساء، والذي يحتم على هذه المدارس أن تقوم بجهد كبير ليس على الصعيد التعليمي والدعوي فحسب؛ وإنما لأدوار أخرى تتصل بهوية المنطقة ذاتها.

وتمثل المدارس الشرعية بالأحساء الحركة العلمية التاريخية ذات الأثر الكبير في تاريخ المنطقة من حيث النهضة العلمية التي مثلتها هذه المدارس بالتزامها عبر التاريخ منذ القرن السادس بوصل الأمة الإسلامية بمدارس الفقه التي قام عليها أئمة أهل السنة في تدوين وتحقيق وحفظ الفقه الشرعي للأمة وهي: مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، والإمام مالك بن انس، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل.

وكان لهذه المدارس دور تاريخي رئيس في الوقائع والأحداث التي مرت بها المنطقة؛ فقد كان علماؤها وطلبتها ركيزة لوحدة الإقليم الفكرية مع الأمة وصد الغزو القادم من الخارج كحالة الاستعمار البرتغالي وتصدي السلطان أجود بن زامل سلطان دولة عقيل عامر في الأحساء وهزيمته للاستعمار البرتغالي في موقعة "العقير" التي استشهد فيها ابنه مقرن، وكانت السبب في انكفاء الغزو البرتغالي عن الأحساء وعن عمق الجزيرة العربية، ولقد سبق هذه المعركة تعزيز للحركة العلمية في الأحساء من خلال جهود السلطان أجود (740 - 800) حيث كان هو ذاته طالب علم في الفقه المالكي، وأنشأ وأوقف العديد من المدارس، وكان حكمه مستنداً إلى الشريعة الإسلامية.

ومما يجمع المؤرخون عليه عدله ورحمته برعيته وقوته أمام الغزو الإفرنجي الذي تمثل في البرتغاليين ومن بعدهم البريطانيين، حيث كانت للمدارس الشرعية دور في بناء ورعاية المجتمع المسلم الذي قاد إلى نجاح دولة (عقيل عامر) في البناء الحضاري وهزيمة الاستعمار, أما في القرون التي تلت تلك المرحلة أي القرن العاشر حتى القرن الثالث عشر؛ فقد كانت منطقة الأحساء مركز إشعاع علمي لمنطقة الخليج يفد إليها طلبة العلم الشرعي من فارس والعراق وعمان والبحرين والكويت وقطر ونجد، ويقيمون في أربطة وقفية شبيهة بالسكن الداخلي في الجامعات، ويتلقون العلم على أيد علمائها ثم يعودون معلمين ووعاظًا إلى بلادهم، ورغم الفوضى السياسية التي عاشتها الأحساء في تعاقب الدول عليها؛ إلا أن المصادر كدائرة المعارف البريطانية وغيرها كالمخطوطات وتراجم العلماء وشواهد المدارس الشرعية ومؤلفات علمائها تؤكد هذا الدور العلمي الكبير الذي قامت به مدارس الأحساء.

وتعتبر المدارس الشرعية أحد أهم مراجع أهل السنة في الإقليم رغم ما تعرضت له من عوائق خارجية؛ حيث يمثل أهل السنة في إقليم الأحساء حسب إحصائية 1411 - 1412 بعد إسقاطها على مناطق التواجد السكاني أكثر من 60% من مجموع السكان باديها وحاضرها في الإقليم المسمى إداريًّا "المنطقة الشرقية"، وحتى قبل الثورة الإيرانية كانت علاقة السنة بالشيعة متعايشة في أجواء من السلم الأهلي، ولكن بعد قيام الثورة ونشوء الدولة الإيرانية الحديثة وأطماعها الاستراتيجية في المنطقة حصلت بعض الأزمات بين أبناء الطائفتين، إضافة للفكر القادم عبر بعض الاجتهادات السنية والشيعية من خارج الإقليم.

وتنتظم منطقة الأحساء السعودية حاليًّا حركة علمية كبيرة لطلبة العلم الشرعي في هذه المدارس، ويعد سماحة الشيخ (أحمد الدوغان) مفتي الشافعية في الأحساء وآخر رجال الجيل الذهبي من الحركة العلمية بالأحساء، حيث يبلغ من العمر تسعين عامًا، وحلقاته الفقهية من أكبر هذه المدارس عطاءً علميًّا، وكذلك فضيلة الشيخ (عبد الحميد آل الشيخ مبارك التميمي) شيخ المدرسة الشرعية المالكية وحلقاتها الفرعية، وهناك مدرسة الأحناف وتلاميذها، والقائم عليها فضيلة الشيخ (يحي ابن أبي بكر الملا) وهناك حلقات كثيرة في الفقه الحنبلي من أبرزها حلقة جامع المثلث الكبير وشيخها الشيخ (محمد بن عبد الرحمن العمير).

ويتميز طلبة العلم الأحسائيون بروح التسامح وقبول الخلاف وتقدير اجتهادات العلماء لأنهم نشأوا في بيئة ربتهم على احترام اجتهادات علماء الأمة وتقديرها وكل يأخذ بما يعتقده صوابًا, إضافة لوعي أبناء هذه المدارس بالدور الفكري والوطني الذي يشاركون فيه.

المصدر:

http://www.islamtoday.net/albasheer/show_articles_*******.cfm?id=72&catid=79&artid=3469

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير