تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما استبان لابن الفرضي من خلال معايشته ولقاءاته شيء من المواهب والنزعات العلمية، أو العقدية عند بعض الرجال، فمن ذلك قوله عن عبد الله بن محمد الثغري: (وكان فقيهاً فاضلاً، ديناً ورعاً، صليباً في الحق، لا يخاف في الله لومة لائم، ما كنا نشبهه إلا بسفيان الثوري في زمانه …) ([391])، ومن ذلك قوله عن محمد بن عيسى المعافري: (سمعته يخطب مراراً، وكان يتقعّر في خطبته، وتكلف في الاسجاع، وكان مع ذلك يدعي ارتجالها، وكان شعره ضرباً من خطبه جالسته وكان لا يحدث) ([392])، كذلك قال عن محمد ابن عبد الله المعلم: (وكان شيخاً تائهاً لا معرفة عنده، وقد كتب عنه قوم حدثهم عن جده، ولو أراد أن يحدثهم عن نوح لفعل) ([393]) كما وصف خلف بن محمد الخولاني (بأنه كان ضعيف الكتابة) ([394])، وقال عن شيخه عبد الله بن محمد التجيبي المتوفى سنة 390هـ: (وكان ضعيف الخط ربما أخل بالهجاء) ([395])، هكذا استطاع ابن الفرضي التعرف على صفات الرجال ونزعاتهم العلمية حيث وقف على الكثير منها بنفسه أثناء معايشته لهم، وهذا مما أعطى كتاباته قيمة علمية لاسيما حينما تقارن بكتب التراجم التي جاءت بعدها.

كذلك أفاد من معايشته لبعض الأشخاص التعرف على نزعاتهم العقدية، فقد اتهم محمد بن عبد الله القيسي بالانتماء إلى مذهب ابن مسرة لكن ابن الفرضي رد هذه التهمة بقوله: (وقد كان ظاهره ظاهر إيمان وسلامة) ([396])، وهذا الحكم عليه إنما صدر من ابن الفرضي بعد معايشته لهذا الرجل وتعرفه على نزعاته العقدية .. كذلك أفاد من مجالسته لبعض العلماء الاطلاع على الوجاهة العلمية لبعضهم ومن ذلك مشاهدته للرسائل التي كانت تصل للفقيه يوسف بن يحيى الأزدي حيث قال: (فرأيته قد جاءته كتب كثيرة نحو المائة كتاب من جماعة من أهل مصر بعضهم يسأله الإجازة، وبعضهم يسأله في كتابه الرجوع إليهم) ([397]).

وكان ابن الفرضي يحرص على حضور المناسبات الاجتماعية ولعل من أبرز ما دونه حول هذا الموضوع حضوره لمناسبات الجنائز حيث استطاع من خلال هذا الحضور رصد بعض المعلومات المهمة عن بعض الأشخاص، ومن ذلك عمر المتوفى، وقدره العلمي والاجتماعي، ومن صلى عليه، ومتى، وأين دفن، يقول عن حضوره لجنازة إسماعيل بن اسحاق المعروف بابن الطحان: (توفي - عفا الله عنه - ليلة السبت ودفن يوم السبت بعد صلاة العصر في مقبرة قريش آخر يوم من صفر سنة اربع وثمانين وثلاثمائة، وصلى عليه قاضي الجماعة محمد بن يحيى بن زكريا التميمي، وشهدت جنازته وشهدها معنا ألوفُ من المسلمين، وكان الثناء عليه حسناً جداً) ([398]).

كما قال عن خلصة ببن موسى الزاهد (وتوفي - رحمه الله - ليلة الأربعاء لخمس بقين من رجب سنة ست وسبعين وثلاثمائة، ودفن في مقبرة الربض، وصلى عليه محمد بن يبقى القاضي وشهدت جنازته، ولا أعلمني شهدت أعظم حفلاً منها، ولم يكن من أهل العلم) ([399]) كذلك قال بعد أن ذكر المعلومات المهمة عن وفاة عبد الله بن محمد بن عبد الله (شهدت موته - رحمه الله - وغسله، ودفنه) ([400])، كما بين أنه شهد جنازة محمد بن يبقى بن زرب وأنه شهدها جماعة من المسلمين وأن الثناء عليه كان حسناً.

وبهذا العرض استبان لنا أن ابن الفرضي قد سخر كل إمكاناته بل كل أحاسيسه ومداركه من أجل رصد تاريخ كثير من الرجال الذين عايشهم، ثم تدوينها ضمن سجلهم لتبقى جزءاً مهماً من تاريخهم لها أهميتها باعتبارها صادرة من شاهد عيان عايشها، بل ربما شارك في بعض أحداثها كما أتيحت له فرصة السؤال عما يشكل عليه في بعض الأشخاص ([401]).

ثالثاً: المصادر الشفهية:

لما كان ابن الفرضي قد عاصر جمعاً كبيراً من الشخصيات العلمية الأندلسية التي كتب عنها سواء أكانوا من شيوخه، أو زملائه وأقرانه، أو طلابه وتلاميذه، أو غيرهم ممن احتك بهم وتحدث إليهم، وتحدثوا له، فإنه قد أفاد منهم في جمع مادته العلمية عن طريق الرواية الشفهية التي سمعها منهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير