تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هكذا اتسعت دائرة المصادر الشفوية عند ابن الفرضي وقد وضح ذلك بعدة صيغ وعبارات مثل قوله: سمعت، أو قال لي، أو أخبرني بذلك فلان، وهذه العبارات كلها تدل على السماع والمشافهة، وسنذكر فيما يلي نماذج لهذا النوع من مصادر ابن الفرضي، فأما سمعت فقد وردت كثيراً في كتابه حيث استخدمها في رواياته ومقتبساته من شيوخه وأقرانه ومعاصريه، وكان كثيراً ما يذكرها حينما يُقوّم الرجال والرواة أو يتحدث عن صفات الرجال ومن ذلك قوله: (سمعت أبا بكر بن أصبغ يثني عليه، ويشهد له بالسماع - يعني عبد الله بن داود -) ([402]) و (سمعت عبيد الله بن الوليد بن المعيطي يثني عليه ويصفه بالمروءة وسمعت اسماعيل يثني عليه أيضاً - يعني عيسى بن خلف الخولاني -) ([403])، وكذلك (سمعت محمد بن يحيى بن عبد العزيز يقول: كان محمد بن أيمن إماماً روى الناس عنه كثيراً ومنها قوله: سمعت أبا محمد الباجي يقول فيه - يعني ابن دليم - من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة - إن شاء الله - فلينظر إلى ابن أبي دليم، وسمعت محمد ابن يحيى بن عبد العزيز - رحمه الله - يقول: كل من أصحابنا كانت له صبوة ما خلا محمد بن محمد بن أبي دليم فإن عرفته من صغره زاهداً) ([404])، وقد تكررت هذه العبارة عند ابن الفرضي كثيراً حينما يتحدث عن صفات الرجال سواء في المدح، أو القدح، وهذا مما يدل على حرصه في التوثق من مصادره لا سيما فيما يتعلق بجرح الرجال أو تعديلهم ([405]) لأنه فيما يبدو كان يعد هذا المصدر من أوثق المصادر لديه، ومن ذلك قوله حين حديثه عن أصبغ بن خليل كان معادياً للآثار، شديد التعصب للرأي، سمعت محمد بن أحمد بن يحيى يقول: سمعت قاسم بن أصبغ يقول: (سمعت أصبغ ابن خليل يقول: لأن يكون في تابوتي رأس خنزير أحب إلي من أن يكون فيه مسند ([406]) ابن أبي شيبة) ([407])، وكذلك قوله عن عبد الملك بن هذيل: (سمعت محمد بن أحمد يسئ القول فيه فينسبه إلى الضعف) ([408])، كما روى لنا عن طريق السماع شمائل بعض الأشخاص ومن ذلك قوله عن محارب بن الحكم الاسكافي سمعت إسماعيل يقول فيه:

(أنه مجاب الدعوة وخرج إلى أرض الحرب مجاهداً في غزوة … فمنحه الله الشهادة …) ([409]).

وكان أحياناً لا يحدد مصدر سماعه مثل قوله سمعت بعض أصحاب خالد يقول: (أن أمير المؤمنين المستنصر بالله كان يقول: إذا فاخرنا أهل المشرق بيحيى بن معين فاخرناهم بخالد بن سعد) ([410]).

ولم يكن ابن الفرضي يقصر هذا السماع على الشيوخ أو طلاب العلم بل إنه ربما أخذه من غيرهم كقوله: (سمعت بعضهم يذكره) ([411])، أو قوله: (سمعت أبي يصفه بالذكاء) ([412])، أو (سمعت هذا الخبر من أبي - رحمه الله -) ([413]).

وأما قال لي فإن هذه العبارة توحي بأن القول خاص بابن الفرضي مما قد يجعله ينفرد بها عن غيره من الرواة بخلاف سمعت فإنه قد يكون شاركه أحد فيه، وقد أورد ابن الفرضي هذه العبارة كثيراً وكانت في الغالب إجابة لسؤال وجهه ابن الفرضي لشخص ما يسأله عن معلومة تتعلق بشخص معين لاسيما في تحديد سنة الوفاة أو المولد حيث يقول: قال لي فلان ولدت ([414])، أو (قال لي ابنه أو صديقه أو غيرهما توفي فلان) ([415])، كما نلاحظ أن هذه العبارة وردت إجابة على سؤال وجهه ابن الفرضي لأحد الذين قدموا من رحلتهم العلمية إلى المشرق، وكان يتوقع أن لديهم إجابة على أشكال معين لديه ([416]).

كذلك وردت هذه العبارة إجابة على سؤال في تعديل الرجال، أو جرحهم مثل قوله عن محمد بن عيسى بن رفاعة: (قال لي محمد بن أحمد هو كذاب …) ([417])، وقوله عن محمد بن جنادة الأشبيلي: (قال لي العباس بن أصبغ: سمعت محمد بن قاسم يثني على محمد بن جناده …) ([418]).

وهذا المنهج في تلقي المعلومات له ميزة عن غيره إذا أنه ربما حصلت فيه محاورة بين القائل والمستمع يتم من خلالها الحصول على مزيد من المعلومات، ومن ذلك قوله: (قال لي العباس بن أصبغ: قال لنا محمد بن عبد الملك بن أيمن كان يحيى بن قاسم بن هلال أحد العباد المجتهدين،كان يصوم حتى يحتضر، وهو صاحب الشجرة. قلت للعباس: ما معنى الشجرة؟ قال: كانت في داره شجرة تسجد لسجوده، إذا سجد …) ([419]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير