تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبهذا يتبين لنا أن المصادر الشفوية كانت من المصادر المهمة عند ابن الفرضي، بل إنه وبحكم معايشته لكثير من رواتها وأحداثها أفاد منها كثيراً، ولعل جرأة ابن الفرضي ومكانته العلمية فضلاً عن مواهبه العلمية والثقافة مما ساعده على ذلك ومكنه من السؤال عما أشكل والتحري عن الراوي والمروي عنه.

كان هذا عرضاً لمصادر ابن الفرضي وطرق تلقيه الأخبار حين تدوين كتابه تاريخ علماء الأندلس، وبالإضافة إلى هذه المصادر التي صرح بها وذكرها، فقد اعتمد أيضاً على مصادر أخرى غير محددة أو منسوبة إلى شخص معين مثل قوله: ذكر أو أخبرني بعض أصحابنا ([433])، أو بعض أهله ([434])، أو أهل موضعه ([435]) أو من أثق به ([436]) أو أهل العلم ([437])، أو غير واحد ([438])، أو جماعة ([439])، أو بعض الشيوخ ([440])، أو بعض من كتب عنه ([441])، أو كتب عنه وسمع منه ([442])، أو من سمع ([443]) وغيرها من العبارات التي توحي بأخذ ابن الفرضي من مصدره مباشرة، لكنه لم يحدده باسمه إما لدواعي الاختصار، وهو منهج عمل به كثيراً في التعامل مع مصادره وأسانيدها، وقد يكون الغرض كثرة من تلقى عنهم الخبر بدرجة أن الرواية أصبحت متواترة لديه مما جعله لا يرى حاجة إلى تحديد مصدرها، بل إن هذا الشعور جعله أحياناً لا يحدد مصدره، بل يقول فيما بلغني ([444]) أو ويحكى ([445])، وهكذا تبدو لنا دقة ابن الفرضي في التعامل مع مصادره، حيث كان ينسب الأقوال إلى أصحابها، بل إنه كان حينما يسمع الخبر من مصادر متعددة يوضح ذلك حيث ينسب كل جزئية إلى قائلها ومن ذلك قوله حينما تحدث عن عبد الرحمن بن صفوان: (ذكر بعض أمره خالد، وبعضه من كتاب ابن حارث، وكتبت نسبه من كتاب محمد بن أحمد ([446]).

حاسة النقد التاريخي عند ابن الفرضي وأثرها على موقفه من مصادره:

إن ابن الفرضي العالم، الحافظ، الراوية، المحدث، الفقيه، القاضي، الناقد قد تعامل مع مصادره المختلفة حسبما يقتضيه المنهج العلمي لمن هو بمثل هذا المستوى من النضج العلمي، إذ أن هذه المزايا العلمية، وتلك المواهب، والقدرات الشخصية قد مكنته من الإحاطة بمصادره والتعامل معها بصدق وأمانة، حيث ينسب الروايات والأخبار إلى مصادرها، أو قائليها في الأعم الغالب، كما أنه - أحياناً - لا يكتفي بالنقل بل يناقش، ويحلل بعض الروايات معتمداً في ذلك على الدليل والحجة سواء أكانت نقلية، أو استنباطية، ويدرك من يتتبع هذا المنهج التحليلي عند ابن الفرضي أن حاسة النقد التاريخي كانت لديه قوية، وقد بدا هذا واضحاً خلال تعامله مع مصادره إذ لم يكن يقبل كل ما ذكرته المصادر على أنه قضايا مسلم بها، بل كان يحلل ويناقش، كما كان ينتقد ويرد بعض الروايات والأخبار، ومن خلال تتبعنا لهذا المنهج بدت لنا القضايا التالية:

- أنه يحلل ويناقش بعض الروايات والأحاديث التي يسوقها والتي قد يبدو عليها الضعف أو الاختلاق، ويبين رأيه فيها، ومن ذلك قوله: (أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي دليم ومحمد ابن يحيى بن عبد العزيز قالا: نا أحمد بن خالد قال: نا محمد بن وضاح قال: نا آدم بن أبي إياس العسقلاني قال: نا أبو محمد قتيبة عن أبيه عن شيبان عن أبي طبية الجرجاني قال: قال رسول الله ش من رابط بعسقلان ليلة، ثم مات بعد ذلك بستين سنة مات شهيداً، وإن مات في أرض الشرك) ([447])، وقد علق ابن الفرضي على هذا الحديث بقوله: (قال عبد الله ابن محمد - يعني نفسه-: وهذا الحديث منكر جداً) ([448]).كما روى عن محمد بن منصور المرادي الأندلسي قوله: (أخبرنا أبو زكريا العائذي قال: نا الحسن بن رشيق قال: نا أبو بكر محمد بن منصور المرادي الأندلسي قال: نا أبو إسماعيل الأيلي حفص بن عمر، قال: حدثني ثور بن يزيد عن يزيد بن مرثد، عن أبي رهم قال: سمعت رسول الله ش يقول: " إذا رجع أحدكم من سفره فليرجع إلى أهله بهدية فإن لم يجد إلا أن يلقى في مخلاته حجراً أو حزمة حطب فإن ذلك مما يعجبهم " ([449]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير