تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(وكان أبوه قد استخلفه على الأندلس فأقام واليها إلى أن كتب سليمان بن عبد الملك هنالك فقتلوه، وأتوه برأسه ([480]). هكذا حمل الخليفة سليمان بن عبد الملك مسئولية مقتل عبد العزيز بن نصير مع أن هذه القضية قد رفضها المؤرخون سلفاً وخلفاً ولم يقل بها سوى فئة من مؤرخي الأندلس المتأخرين، وممن رفضها من المؤرخين ابن عبد الحكم ([481])، وابن القوطية ([482])، وصاحب أخبار مجموعة ([483])، والحميدي ([484])، والضبي ([485])، وغيرهم، كما ذكر بأن عودة موسى بن نصير من الأندلس إلى المشرق كانت سنة أربع وتسعين ([486])، بينما الذي ذكره المؤرخون ([487]) أن ذلك كان في ذي الحجة سنة خمس وتسعين.

كذلك لم يسلم ابن الفرضي من بعض التناقض بين بعض الروايات التي ذكرها، ومن الأمثلة على ذلك قوله: بأن محارب بن قطن بن عبد الواحد توفي سنة ست وخمسين ومائتين، كذا قال إسماعيل عن كتاب خالد ([488])، لكنه يناقض هذا القول بعد ذلك حيث قال: (ورأيت شهادته في وثيقة تاريخها للنصف من ربيع الأول سنة احدى وثمانين ومائتين ([489])، هكذا يبدو عدم صحة الرواية الأولى لكن ابن الفرضي أوردها ولم يحاول ردها وبيان خطأها لأن ما ذكره في الرواية الثانية دليل مادي يعد أقوى من قول إسماعيل عن خالد.

كذلك قال عن عفير بن مسعود ابن عفير وعاش إلى أن بلغ المائة وتوفي رحمه الله سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وكان مولده سنة عشرين ومائتين، ذكره محمد بن حسن ([490]) يعني الزبيدي، وهكذا يبدو لنا أن عفيرا قد بلغ سبعاً وتسعين عاماً حسب قولي ابن الفرضي وليس كما قرر بأنه قد بلغ مائة عام.

وبهذا العرض يتبين لنا أن ابن الفرضي وعلى الرغم من قوة الحس التاريخي لديه فإنه قد وقع في بعض الأخطاء التاريخية، أو التناقض بين بعض ما ذكره من أقوال أو روايات استقاها من مصادره، إلا أنها كانت قليلة إذا ما قورنت بكثرة ما جمعه من مادة علمية ومن مصادر وموارد مختلفة.

الخاتمة:

بعد هذه الجولة بين مصادر الحافظ ابن الفرضي في كتابه تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، والتي استقى مادته العلمية في هذا الكتاب بدت لنا القضايا والاستنتاجات التالية:

- أن القدرات والمواهب الشخصية التي تمتع بها ابن الفرضي قد ساعدته كثيرا على نضج شخصيته العلمية، فهو حافظ ومحدث وناقد وفقيه وراوية؛ وقد كان لهذا النضج العلمي أثره الواضح في قدرته على الاستيعاب ومن ثم الإحاطة بما يرى أو يسمع أو يقرأ.

- أن تعدد المشارب الفكرية عند ابن الفرضي قد أثرت على شخصيته العلمية، فبالرغم من كونه مالكي المذهب، إلا إنه لم يبق أسيرا لمذهبه بل كان يأخذ من أصحاب المذاهب والاتجاهات الفكرية الأخرى حسب حاجته وهذا التوجه إضافة إلى نزعته الأدبية واللغوية قد جعلته يملك وسائل وأساليب أعانته كثيرا على تعدد مصادره وفهمها.

- أن من يقرأ مقدمة ابن الفرضي لكتابه تاريخ العلماء يدرك اهتمامه الواضح بالتوثيق والمصادر، وأنه كان يستشعر أن آفة الأخبار رواتها كما كان يعدها مرآة صادقة لما يحويه كتابه في ثناياه من معلومات رأى أنها مهمة في بابها وموضوعها.

- كما بدا لنا من خلال استقراء مقدمة هذا الكتاب وبعد الاطلاع على ما جمعه من معلومات وأخبار في ثنايا كتابه، أن مصادره كانت متعددة ومتنوعة، وأنه لم يكن يغفل أي مصدر يظن أنه يخدمه أو يوفر له مادة علمية؛ ولهذا جاءت مصادره متنوعة ما بين مشاهد ومسموع، ومقروء أو مستنبط.

- أن المصادر المكتوبة كانت تمثل حيزا كبيرا من بين مصادره وكان من أهمها المؤلفات التاريخية والتي أحسن اختيارها إذ جاء معظمها لعلماء يعدون من كبار علماء الأندلس آنذاك.

- وكانت المكاتبة والاستكتاب رافدا مهما لمصادره التاريخية لاسيما في الجزئيات الدقيقة من سير الأفراد حيث كان يصل إلى هذا النوع من مصادره عن طريق الرسائل التي يضمنها بعض الأسئلة والاستفسارات حول قضية معينة فيأتيه الرد مكتوبا متضمنا الجواب على سؤاله أو أسئلته.

- كما اعتمد ابن الفرضي على اللوحات والوثائق المادية في جمع مادته العلمية مثل اللوحات على القبور ووثائق المبايعات، وبالرغم من محدودية هذا النوع من المصادر عند ابن الفرضي إلا أنه كان مصدرا مهما لديه؛ وذلك لوضوحه ودقة دلالته فضلا عن سرعة الوصول إليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير