وقال ابن خلدون عندما ترجم لأبي محمد بن عبد المهيمن الحضرمي (749 هـ): "نحلته في التقييد والحفظ كاملة وكانت له خزانة من الكتب تزيد على ثلاثة آلاف سفر في الحديث والفقه والعربية والأدب والمعقول وسائر الفنون مضبوطة كلها مقابلة، ولا يخلو ديوان منها من ثبت بخط بعض شيوخه المعروفين في سنده إلى مؤلفه حتى الفقه والعربية الغريبة الإسناد إلى مؤلفيها في هذه العصور" (34).
4 - فهرست اللَّبلي (35) (ت 691 هـ) وصاحبه المكنّى بأبي الحجاج، وبأبي جعفر قد ارتحل إلى بجاية وتونس والإسكندرية والقاهرة والحجاز ودمشق، وكان له في كل مدينة حل فيها شيوخ، وقد عاد بعد تطوافه في المشرق إلى تونس، واتخذها وطناً يشتغل فيها بالإقراء، فصنف كتابه هذا تلبية لرغبة بعض أهل العلم الذين طلبوا منه أن يضع لهم تصنيفاً يتضمن "ذكر شيوخه الذين أخذ عنهم في البلاد المشرقية والمغربية علم الأصول وغيره من العلوم الدينية على اختلاف ضروبها وتباين فنونها" (36)، وقد عرّف تسعة من أعلام الكلام وأصول الفقه ممن أخذ عنهم.
5 - برنامج أبي عبد الله المجاري (37) (ت 862 هـ) وقد رتّب فيه الشيوخ حسب بلدانهم وأماكنهم التي تلقى عنهم فيها مبتدئاً بشيوخ غرناطة، ثم تلمسان، ثم بجاية، ثم تونس، ثم مصر، وقد تعرّض في برنامجه إلى نوع التلقي والنقل للأحاديث التي رواها عن الشيوخ، والكتب التي أخذها عنهم، معيّناً المقدار المقروء من الكتاب إن لم يُقرأ كله، فهو يقول في تلقيّه عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن علاق حافظ غرناطة وإمامها:
"قرأت عليه من أول كتاب ابن الحاجب الفرعي إلى آخر باب الزكاة، والربع الأول من تسهيل ابن مالك بلفظي، وسمعت سائرها بقراءة غيري" (38).
6 - ثبت أبي جعفر أحمد بن علي بن داود البلوي (39) (ت 938 هـ)، الوادي آشي (40)، وقد ترجم فيه المؤلف حياة شيوخه العلمية ذاكراً أسانيدهم ومروياتهم وإجازاتهم مبتدئاً بأبيه حيث يقول: "أول من قعدت بين يديه وحضرت مجلسه للقراءة عليه والدي الذي نشأت في ظل رفده، وسعى لي في تحصيل السعادة بغاية جهده" (41).
وتكمن أهمية الثبت في أمور ثلاثة هي:
1 - تقيّد البلوي بذكر أسماء شيوخه وألقابهم وكناهم، وهو يصحّح ما قد وقع من تحريف عند غيره نتيجة الاختصار في الإسناد مما صيَّره ممن تقبل إجازاتهم.
2 - رصد الروافد الثقافية المكوّنة لملكات العلماء من معارف وعلوم ومقطعات شعرية، ورسم ملامح عن النشاط الذي يقوم به طلبة العلم.
3 - رصد الحياة العقلية والعلمية والسياسية في الأندلس في أواخر حياتها الإسلامية.
وتجدر الإشارة إلى أن أبا عبد الله بن غازي (ت 919 هـ) عمد إلى وضع ذيل لفهرسه لإلحاق رواياته وإجازاته الحاصلة بعد انتهاء الفهرس الأصلي وسماه: "التعلل برسوم الإسناد بعد انتقال أهل المنزل والناد" (42).
ثالثاً: المزج في البرنامج بين الطريقتين الآنفتي الذكر:
أي سرد المرويات من الكتاب، وتراجم الشيوخ على سبيل الإيجاز المعهود كما في:
1 - برنامج محمد بن أحمد بن جابر (43) (ت 749هـ) الوادي آشي الأصل، التونسي مولداً وقراراً، وهذا البرنامج يتألف من قسمين:
القسم الأول:
ابتدأه بتراجم شيوخه الذين قرأ عليهم، وروى عنهم، وأجازوه بتونس، والإسكندرية والقاهرة ودمشق ومكة والمدينة، وقد رتّب أسماء شيوخه على حروف المعجم ترتيباً لم يراع فيه الدقة المنهجية لا في الأسماء ولا في أسماء الآباء، واقتضب تراجم الكثير منهم بحيث لا تتجاوز الترجمة أحياناً سطراً واحداً.
القسم الثاني:
خصصه للكتب التي رواها عن شيوخه بالسند المتصل إلى مؤلفيها مع الحرص على ذكر العلوّ في السند (44).
2 - برنامج ابن أبي الربيع الذي دوّنه تلميذه أبو القاسم بن الشاط الأنصاري (45) (ت 723 هـ)، وقد فرغ من التدوين سنة 683هـ، وكان الشيخ لا يزال حيَّاً قد جاوز الثمانين من عمره، وبلغ تلميذه الأربعين؛ وذكر المحقق أن محمد بن علي بن هانئ اللخمي (ت 733 هـ) نسخ الكتاب، ثم وقعت النسخة بين يدي يحيى بن أحمد النفزي السراج (ت 803هـ) فوضع خطه في آخر النسخة وعلى أولها وفي هوامشها، وكان ذلك سنة 793هـ.
البرنامج فصلان:
1 - الفصل الأول:
ويحتوي التعريف بأسماء شيوخه وما أخذه عن كل واحد منهم والإعلام بما يتيسر عن سني الولادة والوفاة وأسماء شيوخهم.
2 - الفصل الثاني:
¥