وتصديه لمنكري السنة وتفنيد شبهاتهم ودحص مزواعمهم الباطلة أمر معروف، وقد ألف لهذا الغرض رسالة مشهورة بعنوان (تحقيق معني السنة وبيان الحاجة إليها) ([1]).
3 - في الفقه الإسلامي:
وإذا نظرنا إلى الشيخ الندوي رحمه الله كفقيه نجد أنه يتمتع ببصيرة فقهية تامة، ولقد توفرت له وسائل تحقيق المذاهب والاجتهاد لما آتاه الله تعلى من المملكة في معرفة اللغة العربية وآدابها. والعلم الواسع الدقيق بالقرآن الكريم وعلومه، والحديث الشريف، والناسخ والمنسوخ، والاطلاع العميق على مصادر الفقه وأصوله وقواعده ومذاهب الأئمة، وآراء الفقهاء.
ومن الجدير بالذكر أن الشيخ رحمه الله كان أول عهده بالبحث والتحقيق محققاً في المذهب لا يتقيد بمذهب، سلفي النزعة في العقائد، يؤمن كما آمن السلف الصالح من غير تكييف ولا تعطيل. وما زال يكتب ويحاضر متشبعاً بهذا المنهج الفكري إلى أن أربي على الخمسين من عمره، ثم جعل يميل شيئاً فشيئاً إلى التنسك والتصوف، فمن ذلك اليوم بدأت تظهر آثار التدرج عنده نحو الحنفية والمتصوفة في كثير من المسائل، وكذلك تغيرت وجهة نظره في كثير من المسائل المستحدثة، والمشاكل الجديدة المتنوعة.
يقول رحمه الله: "إني ملتزم بالسنة ومتبع للتوحيد الخالص، أرى السنة دليلي، وباب الاجتهاد مفتوحاً دائماً للعلماء ولا أرى الحق منحصراً في أحد من أئمة السلف".
ويقول في إحدى خطبه: "من مفاسد هذا العصر الجمود المشين على آراء الفقهاء المتأخرين وفتاواهم،كأنهم معصومون من الأخطاء والزلات، وعدم الرجوع إلى المرجعين الأصيلين: القرآن والسنة، واجتهادات الأئمة من السلف في البحث عن الحلول للمشاكل المدنية والقضايا الدينية، والقول بإغلاق باب الاجتهاد للأبد".
4 - في التاريخ والاعتناء بالسيرة:
فكما قال الشيخ أبو الحسن على الحسني الندوي: "أن السيد سليمان الندوي يستحق بدون مراء أن يعد أكبر مؤرخ وباحث في عصره، وإن كتبه: (الخيام)، و (الصلات بين الهند والعرب)، و (الملاحة عند العرب)، و (حياة الإمام مالك)، و (سيرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها) خير نموذج للكتابة في التاريخ والبحث العلمي، وكتابة (أرض القرآن) لا يزال كتاباً فريداً لم ينسج على منواله في موضوعه، وهو ثروة غنية في المواد العلمية" ([2]).
5 - في الفلسفة وعلم الكلام:
كما أنه رحمه الله كان ضليعاً بالفلسفة وعلم الكلام، وخير دليل على ذلك كتابه (سيرة النبي صلى الله عليه وسلم) فإنه حقق بالسيرة والتاريخ أهدافاً لا تحقق إلا بعلم الكلام، فأسس علم كلام جديد يفوق علم الكلام القديم في التأثير على الذهن الجديد وإقناعه، وفي توثيق الثقة بالشخصية النبوية والشريعة الإسلامية، وهو أكثر سداداً للحياة العلمية المعاصرة.
6 - في اللغة العربية:
أما اللغة العربية فكان رحمه الله من كبار الأدباء، وإنه أتي في حقل الأدب العربي بالعجائب، وخلف آثار في القول المنظوم والمنثور مما يعجز عن مثله نوابغ أدباء الهند وشعرائها.
وكان السيد الندوي رحمه الله مقدساً لدور اللغة العربية في توحيد المسلمين، يقول في مقال له: "وبعد فللإسلام مزايا تفوق الإحصاء دررها، وتستغني عن الإنباء غررها، إحداها انه دين وحدة الشعوب والأمم، ودين مؤاخاة البشر والنصيحة لهامة المسلمين، ومن الوسائل التي اتخذها لتحقيق بغيته هذه، أن جعل للمؤمنين بقرآنه، والخاضعين لسلطانه على اختلاف ألسنتهم وبلدانهم وجنسياتهم وألوانهم لغة خاصة، وهي لغة كتابة المنزل من السماء، يتفاهمون بها معاني القلوب،ويتعارفون هواجس الأفكار، ويخطب بعضهم بها مودة بعض فهي على تقلب من الأحوال لغة عصبة الأمم الإسلامية منذ قرون وأجيال" ([3]).
وفعلاً كان الله عز وجل قد أودع فيه موهبات عجيبة من خصوبة العقل، وقوة الذاكرة، والقريحة الوقادة المندفعة، والذكاء المتوقد، فما كان يسمع كلمة إلا ويحفظها ويعيها ويقيدها في ذهنه، فلم تخنه ذاكرته مدة حياته.
أهم مآثره العلمية وجلائل أعماله الخالدة:
¥