تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أشر ما كانوا عليه، ولما قالوا له: إنك قلت ذلك، خاف من الله خوفاً شديدا عظيماً، حتى أنزل الله عليه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ).

فمن فهم هذه القصة، ثم شك في دين النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفرق بينه وبين دين المشركين. . فأبعده الله، خصوصاً إن عرف أن قولهم: تلك الغرانيق العلى أنها الملائكة.

الموضع الرابع:

[قصة أبي طالب]

فمن فهمها فهماً حسناً، وتأمل إقراره بالتوحيد وحث الناس عليه وتسفيهه عقول المشركين ومحبته لمن أسلم وخلع الشرك، ثم بذل عمره وماله وعشيرته في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن مات، ثم صبره على المشاقّ العظيمة والعداوة البالغة، لكن لأنه لم يدخل فيه، ولم يتبرأ من دينه الأول، لم يصر مسلماً، مع أنه يعتذر عن ذلك أن فيه مسبة أبيه عبد المطلب وآل هاشم وغيرهما من مشايخه.

ثم مع قرابته ونصرته، استغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عليه: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى) (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ).

والذي يبين هذا: أنه إذا عرف رجل من أهل البصرة أو الإحساء بحب الدين وبحب المسلمين،ظن أكثر الناس أنه من المسلمين، مع أنه لم ينصر الإسلام بيده ولا ماله، ولا له من الأعذار ما لأبي طالب، فمن فهم قصة أبي طالب، وفهم الواقع من أكثر من يدّعي الدين، تبين له الهدى من الضلال، وعرف سوء الإفهام، والله المستعان.

الموضع الخامس:

[قصة الهجرة]:وفيها من الفوائد والعبر ما لا يعرفه أكثر من قرأها، ولكن مرادنا الآن مسألة واحدة من مسائلها، وهي: أن من أصحاب رسول الله ? من لم يهاجر - من غير شك في الدين، ولكن محبة للأهل والمال والوطن - فلما خرجوا إلى بدر، خرجوا معهم وهم كارهون، فقتل بعضهم بالرمي - والرامي لا يعرفهم - فلما سمع الصحابة: من القتلى: قتل فلان وفلان، شق عليهم، وقالوا: قتلنا إخواننا فأنزل الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً. .. الآيات).

فمن تأمل قصتهم، وتأمل قول الصحابة: (قتلنا إخواننا) (علم أنهم) لو بلغهم عنهم كلام في سب الدين، أو كلام في تزيين دين المشركين، لم يقولوا: قتلنا إخواننا، فإن الله بيّن لهم وهم بمكة، قبل الهجرة أن ذلك كفر بعد الإيمان بقوله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ).

وأبلغ من هذا ما تقدم من كلام الله تعالى فيهم، فإن الملائكة تقول لهم: {فيم كنتم}؟ ولم يقولوا: (لهم: كيف تصديقكم، فلما قالوا: كنا مستضعفين في الأرض) لم يقولوا: (كذبتم) مثلما يقول الله والملائكة والملائكة للمجاهد الذي يقول: جاهدت في سبيلك حتى قتلت فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، بل قاتلت ليقال: جريء وكذلك يقال للعالم والمتصدق: كذبت، بل تعلمت ليقال: عالم، وتصدقت ليقال: جواد. . . وأما هؤلاء فلم يكذبوهم، بل أجابوهم بقولهم: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير