وخير الكلام ما كان سنة ... وشر الأمور المحدثات البدائع
كما ترى هذا كله مبسوطا في كتب أصحابه الرائدة في هذا الموضوع , والتي لا يوجد لها نظير في سائر المذاهب بدون إستثناء كما قال الخبراء, ككتاب:البدع والنهي عنها لمحمد بن وضاح القرطبي , وككتاب: الحوادث والبدع , لأبي بكر الطرطوشي , وكتاب الإعتصام للإمام العلم أبي إسحاق الشاطبي, وجامع بيان العلم وفضله, وما ينبغي في روايته وحمله ,للإمام ابن عبد البر النمري القرطبي رحمهم الله ورضي عنهم ,فلو أن الفقيه كركيش إلتزم الإنصاف , وجانب الإعتساف, وسار على الدرب الذي رضيه بعدما كان مورطا زمنا طويلا في حمأة التقليد والتعصب لآراء الناس على حساب الوحي الإلهي المتمثل في كتاب الله العزيز وسنة رسوله الكريم, لما وقع في بنيات الطريق , وانتصر للهوى والبدعة, وسود صفحات رددفيها ما أسسه المبتدعون من أهل الأهواء والزوايا. ولما تأملت فصول الرسالة وهي ثلاثة بعد المقدمة , وتبينت ضلالها وخبطها وخلطها , أحببت أن أحاور صاحبها حوارا هادئا, وأناقشه مناقشة منصفة في أوراق سميتها:
- إبراز الشناعة المتجلية في المساعي
الحميدة
في استنباط مشروعية الذكر جماعة
فأقول مستمدا من الله تعالى العون والتوفيق: الكلام مع الفقيه في أربعة مواقف, لكل من المقدمة والأبواب الثلاثة والخاتمة ,وقبل الشروع في إيضاح هذه المواقف, أشير إلى ديباجة الرسالة التي بين فيها الفقيه أن السبب الدافعله إلى تأليفها الطلب المتكرر من الناس أن يتصدى للرد على من زعم من أهل العصر -وهم جماعة- عدم مشروعية الذكر الجماعي , وأن أهله ضالون مضلون , وقد تعدوا ذلك إلى التبديع والتضليل , فقبل ذلك , وإن كان غير أهل للخوض في
ذلك.
وأقول:إن في قوله مبالغة وتهويلا ,والواقع أننا بعد بيان وإقامة الحجة على الخصم بمنتهى الإنصاف , نضلل المخالف المقلد المعاند ,وهو ما يستحقه عقلا ونقلا , فإن اقتصرفي نفسه على انحرافه وابتداعه, أمسكنا عنه {وما أكثر الناس
لو حرصت بمؤمنين} (سورة يوسف 103) وأن دعا إلى بدعته, وحاول إقناع الناس وتضليلهم, وصفناه بما اختاره لنفس من الإضلال , وإحياء البدعة ,وإثارة الشر والفساد.
الموقف الأول من المقدمة:
بعد الديباجة: عقد الفقيه المقدمة ببيتين لا شك أنهما له لضعفهما نسجا ومعنى وهما:
جزىالله خيرامن تأمل صنعتي**وقابل مافيها من السهو بالعفو
وأصلح ما أخطأت فيه بفضله ** وفطنته واسغفر الله من سهوي
ولم نفهم لقوله: "واسغفر الله من سهوي" معنى , ولابد أن يقرأ "واستغفر" على أنه فعل ماض ولابد من الوزن. ثم ذكر أنه لابد للإنسان من الخطأ , وأن السلامة منه خاصة بكتاب الله تعالى , وأنه لا يجوز الإقدام على حكم إلا بعلم وحجة , وأن للعلم والمناظرة آدابا لابد من مراعاتها , منها: عدم المسارعة إلى التضليل والتفسيق والتعنيف , بل لابد من التأني ودراسة حجج المناظر والرد عليه بأدب ولطف, وأورد هنا أحاديث ومواقف تشهد لهذا من الهدي النبوي. وقال بأن القائلين بمشروعية الذكر الجماعي لهم أدلة وحجج اعتقدوا صوابها , ولم يستحلوا ما حرم الله عز وجل حتى يستحقوا الشتم والتبديع, وأن حالهم كحال القضاة الثلاثة الذين منهم من عرف الحق وقضى به ,ولكن عبارة الفقيه تفيد أن الصحابة كالواحد من القضاة الثلاثة , وعمي على أن اثنين منهم في النار كما هو صريح الحديث. ثم أشار إلى أن الحق عند أهل الحق واحد لا يتعدد, وأن من نشده وأصابه فهو مأجور مرتين ,ومن أخطأه مجتهدا فهو مأجور مرة واحدة كما ورد في الحديث ,وصنيعه هذا يقتضي أنه يقول بإسمرار الإجتهاد , وفتح بابه الذي أغلقه أسلافه الفقهاء ابتداء من القون الخامس الهجري, وقرر المتأخرون من علماء الأندلس والمغرب أنه لابد من التقليد , وأن الإجتهاد محظور, وأن الكتاب والسنة لا يخاطباننا وأن خطابهما موجه للمجتهدين ,وهؤلاء انقطعوا ولم يبق لهم زجزد ,وفي مسألتنا هذه ,إنما تناولها الفقهاء المتأخرون , وحكموا بمشروعيتها وأنها من البدع الحسنة التي تتناو لها أصول الشريعة وعموماتها كما يرددالفقيه ,اعتمادا على قواعد متأخريهم التي أصلوها أخدا من قواعد المذهب كما زعموا , والواقع بخلاف ذلك لأن أصول مذهب مالك المستفادة من صنيعه من الموطأ تنافي هذا على طول , كما هو مصرح في شروح الموطأ الأصيلة
¥