فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ? ... (القصص:77).
ولقد أحسن القائل إذ يقول:
إن لله عباداً فطناً ...... طلقوا لدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا ....... أنها ليست لحي وطناً
جعلوها لجة واتخذوا .......... صالح الأعمال فيها سفنا
وعمر الإنسان هو موسم الزرع في هذه الدنيا، والحصاد هناك في الآخرة، فلا يحسن بالمسلم أن يضيع أوقاته وينفق رأس ماله فيما لا فائدة فيه.
ومن جهل قيمة الوقت الآن فسيأتي عليه حين يعرف فيه قدره ونفاسته وقيمة العمل فيه، ولكن بعد فوات الأوان، وفي هذا يذكر القرآن الكريم موقفين الإنسان يندم فيهما على ضياع وقته حيث لا ينفع الندم:
الموقف الأول: ساعة الاحتضار، حيث يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة، ويتمنى لو منح مهلة من الزمن، وأُخِّر إلى أجل قريب ليصلح ما أفسده ويتدارك ما فات. قال تعالى: {وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ} (44) سورة إبراهيم
وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) [المؤمنون/99، 100]}
الموقف الثاني: في الآخرة، حيث توفى كل نفس ما عملت وتجزى بما كسبت، ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، هناك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى حياة التكليف، ليبدأوا من جديد عملا صالحا. قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) [السجدة/12 - 14]
==================
الزمن كالمال كلاهما يجبُ الحرص عليه والاقتصادُ في إنفاقه وتدبير أمره، وإنْ كان المالُ يمكن جمعه وادخاره بل وتنميته فإنَّ الزمنَ عكسُ ذلك؟.
فكلُّ دقيقة ولحظة ذهبت لن تعودَ إليك أبدا،ولو أنفقت أموال الدنيا أجمع.
وإذا كان الزمنُ مقدرا بأجلٍ معينٍ وعمرٍ محددٍ لا يمكن أن يقدَّمَ أو يؤخرَ، وكانت قيمته في حسنِ إنفاقه- وجبَ على كلِّ إنسانٍ أن يحافظَ عليه ويستعملَه أحسن استعمالٍ ولا يفرِّطُ في شيء منه قلَّ أو كثُرَ.
ولكي يحافظ الإنسانُ على وقته يجب أن يعرفَ أين يصرفه؟! وكيف يصرفه؟! وأعظمُ المصارف وأجلُّها طاعة الله - عز وجل -، فكلُّ زمنٍ أنفقته في تلك الطاعةِ لن تندمَ عليه أبدا.
و عَنْ سَيْفٍ الْيَمَانِيِّ قالَ: " إِنَّ مِنْ عَلَامَةِ إِعْرَاضِ اللَّهِ عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَشْغَلَهُ بِمَا لَا يَنْفَعُهُ "
و قَالَ أَبُو حَازِمٍ: " إِنَّ بِضَاعَةَ الْآخِرَةِ كَاسِدَةٌ، فَاسْتَكْثِرُوا مِنْهَا فِي أَوَانِ كَسَادِهَا، فَإِنَّهُ لَوْ قَدْ جَاءَ يَوْمُ نَفَاقِهَا لَمْ تَصِلْ مِنْهَا لَا إِلَى قَلِيلٍ وَلَا إِلَى كَثِيرٍ " (الحلية).
ومتى حيل بين الإنسان والعمل، لم يبق له إلا الحسرة والأسف عليه ويتمنى الرجوع إلى حال يتمكن فيها من العمل فلا تنفعه. وينبغي للمؤمن أن يتخذ من مرور الليالي والأيام عبرة لنفسه، الليل والنهار يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويطويان الأعمار، ويشيبان الصغار، ويفنيان الكبار.
ولقد أحسن الذي يقول:
إذا ما خَلَوْتَ الدَّهْرَ يوماً فلا تَقُلْ ... خَلَوْتُ، ولكنْ قُلْ عليَّ رَقِيبُ
ولا تَحْسَبَنَّ الله يَغْفُلُ ساعَةً ........ ولا أَنَّ ما يَخْفَى عليه يَغِيبُ
ألم تر أنَّ اليوم أسرع ذاهبٍ ......... وأنَّ غداً للناظرين قريبُ؟
¥