¨ دليل المعقول: واستدل الجمهور على الحرمة بدليل المعقول، فقالوا: إذا كان الله حَرَّمَ الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض كالحيض والنفاس، فما الظنُّ بالحُشِّ الذي هو محل الأذى اللازم، مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل والذريعة القريبة جداً من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان (6) 0
وقد قال أصحاب أبي حنيفة (7): أنه عندنا ولائط الذكر سواء في الحكم،
(1) تفسير القرطبي: 1/ 901 0
(2) أضواء البيان، لمحمد الأمين الشنقيطي: 1/ 143 0
(3) سبق تخريجه في أحاديث الباب 0
(4) هذه الزيادة انفرد بها الزهري عن باقي الرواة، وهى زيادة ثقة مقبولة 0
(5) أحكام القرآن، لابن العربي: 1/ 174، تفسير أبي السعود: 1/ 223، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 3/ 91 0 (انظر الدراسة الحديثية) 0
(6) ابن القيم في الزاد (4/ 240)، ونقل كثيبر من العلماء هذا المعقول فاكتفينا بالزاد لتوسعه بدليل المعقول، وأصل هذا المعقول قوله تعالى:] ويَسْئَلُونَكَ عَنْ المَحِيض [0
(7) بدائع الصنائع (2/ 1331)، وانظر اختلاف الفقهاء للطبري (ص: 124).
ولأن القذر والأذى في موضع النجو (1) أكثر من دم الحيض، فكان أشنع (2) 0
وللمرأة حق على الزوج في الوطء، ووطؤها في دبرها يُفَوِّت حقها، ولا يقضي وطرَها، ولا يُحَصِّل مقصودها 0
وأيضا: فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل، ولم يُخْلَقْ له، وإنما الذي هُيء له الفرج، فالعادلون عنه إلى الدبر خارجون عن حكمة الله وشرعه جميعاً 0
وأيضاً: فإن ذلك مضر بالرجل، ولهذا ينهى عنه عقلاء الأطباء من الفلاسفة وغيرهم، لأن للفرج خاصيَّة في اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه، والوطءُ في الدبر لايُعين على اجتذاب جميع الماء، ولا يخرج كل المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعي (3) 0
قال الإمام القرطبي: " ولأن الحكمة من خلق الأزواج بث النسل، فغير موضع النسل لايناله ملك النكاح وهذا هو الحق " (4) 0
¨ ومن الأدلة العقلية، ماذكره الإمام القرافي بقوله:
" 000 وظاهر الآية يقتضي التحريم، خلاف ما يتوهمه المعنى لقوله تعالى:] نِسَاؤُكُمْ حَرْثُُ لَكُمْ [0 والمبتدأ يجب انحصاره في الخبر، كقوله r " تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم " و " ذكاة الجنين ذكاة أمه " فلا يحصل تحريم بغير تكبير، ولا تحليل بغير سلام، ولا ذكاة الجنين بغير ذكاة أمه، ولا النسل في غير حالة الحرث الذي هو الفعل المفضي إلى النسل 0
ولأن الشرع إنما حرم اللواط والاستمناء لكي لا يستغنى بهما عن الوطء الموجب للنسل الموجب لبقاء النوع والمكاثرة لرسول الله r بأمته، وهذا المعنى قائم ها هنا، فيحرم لاندراجه في قوله تعالى:] ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الخَبَائِثَ [وتلطخ الإنسان بالعذرة من الدبر مِنْ أخبث الخبائث، ولا يميل إلى ذلك في الذكور والإناث إلا النفوس الخبيثة، خسيسة الطبع بهيمية الأخلاق، والنفوس الشريفة بمعزل عن ذلك (5) 0
(1) النجو: ما يخرج من البطن من ريح وغائط 0
(2) بدائع الصنائع: 2/ 1331 0
(3) نقلاً عن الزاد لابن القيم باختصار: 4/ 240 0
(4) تفسير القرطبي: 3/ 91، روح المعاني للألوسي: 2/ 124 0
(5) الذخيرة: 4/ 417 ـ 418 0
وقال الإمام القرطبي، نقلاً عن ابن عبدالبر: إن العلماء لم يختلفوا في الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها أنه عيب تُرَّد به 000 لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح، وفي إجماعهم على هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع الوطء، ولو كان موضعاً للوطء ما رُدّت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج (1) 0
¨ ومن المعقول أيضاً ما ذكره ابن الحاج في المدخل (2) بقوله:
1) إن من مقاصد النكاح النسل لقول النبي r ( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) (3)، والنسل من غير وطء في القبل لا يكون، فلا يأتي من الوطء في الدبر 0
2) ومن المعلوم أن القذر يكون في الدبر بشكل أكبر وأشد من الحيض الذي يأتي في فترات في القبل، وهي أيام يسيرة من الشهر غالباً، ومع هذا حرم الجماع في مدته مع أن نجاسته عارضة، فمن باب أولى أن يحرم الوطء في الدبر لأجل النجاسة المستمرة التي تخرج منه، فهو موضوع لا تفارقه النجاسة 0
3) وإذا أبيح للرجل الوطء في الدبر، فإن في هذا قضاء لشهوته هو وحرمان المرأة من حقها في الاستمتاع، وفي هذا ضرر بها من وجهين:
¥