والحرث لايكون إلا في الفرج 0 قلت: أفيكون ذلك محرماً لما سواه، قال: نعم: قلت: فما تقول: لو وطئها بين ساقيها 0 أو في أعطافها، أو تحت إبطها، أو أخذت ذكره بيدها، أفي ذلك حرث؟ قال: لا 0 قلت: أفيحرم ذلك؟ قال: لا 0 قلت: فلم تحتج بما لا حجة فيه؟ قال: فإن الله قال:] والَّذِينً هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونً [الآية 0 قال: فقلت له: إن هذا مما يحتجون به للجواز، إن الله أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته، وما ملكت يمينه، فقلت: أنت تتحفظ من
(1) اختلاف الفقهاء للطبري: ص 124 0
(2) الحاوي الكبير، شرح مختصر المزني: 9/ 308 0
زوجته وما ملكت يمينه (1) 0 وهذا لا يعني قول الشافعي بالجواز، بل يقول بالتحريم كما أسلفنا 0
كما استدل هذا الفريق بما روي عن ابن عمر، وزيد بن أسلم، ونافع، ومالك مما نسب إلى سعيد بن المسيب، ومحمد بن كعب القرظي، وعبدالملك بن الماجشون (2) 0
¨ رد الجمهور على أدلة المبيحين:
أما قوله تعالى:] أَنَّى شِئْتُمْ [بمعنى من أين شئتم 0
] وأَنَّى [تجيء سؤالاً وإخباراً عن أمرٍ له جهات، فهو أعم في اللغة من (كيف) ومن (أين) ومن (متى) 0 هذا هو الاستعمال العربي في (أنى) (3) 0
ويؤيد هذا، ما أخرجه الشيخان، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه في سبب النزول، عن جابر قال: إن اليهود يقولون إذا جامع الرجل امرأته في فرجها من ورائها كان ولده أحول، فأنزل الله:] نِسَاؤُكُمْ حَرْثُُ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [0 أي كيف شئتم من قيام وقعود واضطجاع، أو من ورائها في فرجها 0
(1) التلخيص الجبير لابن حجر: 182/ 3، سيأتي التفصيل في حقيقة مذهب الشافعي فيما بعد إن شاء الله، وكلام الأئمة على هذا الجواز 0
(2) بل زعم الإمام ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين، وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب (جماع النسوان وأحكام القرآن) قلت: كلام ابن العربي فيه مبالغة شديدة، إذ لم ترو إباحته إلا عن فئة قليلة من الصحابة، وبعضهم مختلف في روايتها عنهم كما قال أهل العلم 0
فائدة: أشار ابن العربي في أحكام القرآن إلى الخلاف، دون أن يحقق المسألة أو يرجح أحدهما على الآخر، وكأنه رحمه الله يميل إلى القول القديم لمالك رحمه الله 0
قال ابن حجر في التلخيص: وفي كلام ابن العربي والمازري ما يوميء إلى جواز ذلك أيضاً 0
(3) قاله الإمام القرطبي: 1/ 901 0
ثم كيف تفسرون (أنى) بأن معناها (أين) فصار المعنى: فأتوا حرثكم أيِّ مكان شئتم، فحدث التناقض بين أولها وآخرها، حيث سمى المرأة حرثاً ومكانا لإزراع النسل، وأباح إتيانها في مكان ليس محلاً للزرع (1) 0
¨ أما الرد على الشبهة الثانية: بين كلمتي (من) و (في) في حديث ابن عمر: " أن رجلاً أتى امرأته في دبرها " 0
قال ابن القيم رحمه الله: " ومن هنا نشأ الغلط على من نقل عنه الإباحة من السلف، والأئمة فإنهم أباحوا أن يكون الدُّبُر طريقاً إلى الوطء في الفرج، فيطأ من الدبر لا في الدبر، فأشبه على السامع " من " بـ " في " ولم يظن بينهما فرقاً 0
فهذا الذي أباحه السلف والأئمة، فغلط عليهم الغالط أقبح الغلط وأفحشه " (2) 0
أما قوله:] أَتَأْتُونَ الْذُكْرَانَ مِنَ العَالَمِينَ وتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ [(3). فمعناه: أتأتون المحظور من الذكران، وتذرون المباح من فروج النساء 0
وقوله:] هُنَّ لِبَاسُُ لَكُمْ000 [ففيه تأويلان:
أحدهما: أن اللباس السكن 0 كقوله تعالى:] وهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْلَّيْلَ لِبَاساً [(4) 0
والثاني: أن بعضهم يستر بعضاً كاللباس، وليس في ذلك على التأويلين دليل لهم 0
وأما فساد العقد باستثنائه وسراية الطلاق به، فقد يفسد العقد باستثناء كل عضو لا يصح الاستمتاع به من فؤادها، وكبدها، ويسري منه الطلاق إلى جميع بدنها ولا يدل على إباحة الاستمتاع به، فكذلك الدبر 0
(1) هذا حلال وهذا حرام، لعبد القادر أحمد عطا: ص 243 0
(2) زاد المعاد، لابن القيم: 4/ 240 0
(3) الشعراء [165 – 166].
(4) الفرقان [47].
¥