تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نقول إنه يستمد منه، هذا لا يقوله إلا جاهل لا يدري حقيقة ما يقول، عفا الله عنه وعامله بمغفرته والله أعلم.

سـ5/ هل أصول الفقه يحتاج في فهمها لعلم المنطق؟

جـ/ الجواب: بالطبع لا، إلا عند من تربى على موائد الفلاسفة المتهوكين فإنهم يعظمون علم المنطق تعظيماً بالغاً ولا عبرة بهم ولا بتعظيمهم، ولا نعرف أحداً من المتقدمين أدخل المنطق في أصول الفقه قبل أبي حامد الغزالي، وقد انتقده العلماء - أعني علماء أهل السنة - كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، قال أبو العباس: (وأول من خلط منطقهم بأصول المسلمين أبو حامد الغزالي وتكلم فيه علماء المسلمين بما يطول ذكره) وقال أيضاً: (فإنه - أي الغزالي - أدخل مقدمة من المنطق اليوناني في أول كتابه المستصفى وزعم أنه لا يثق بعلمه إلا من عرف هذا المنطق) وقد جزم أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى أن أصول الفقه لا يفتقر بل ولا يحتاج أدنى حاجة إلى المنطق اليوناني، وقال أبو العباس (وقد صنف في الإسلام علوم النحو واللغة والعروض والفقه وأصوله والكلام وغير ذلك وليس في أئمة هذه الفنون من كان يلتفت إلى المنطق بل عامتهم كانوا قبل أن يُعرَّب هذا المنطق اليوناني، وأما العلوم الموروثة عن الأنبياء صرفاً وإن كان الفقه وأصوله متصلاً بذلك فهي أجل وأعظم من أن يظن أن لأهلها التفات إلى المنطق إذ ليس في القرون الثلاثة من هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس وأفضلها القرون الثلاثة من كان يلتفت إلى المنطق أو يعرج عليه مع أنهم في تحقيق العلوم وكمال بالغاية التي لا يدرك أحد شاؤها كانوا أعمق الناس علماً وأقلهم تكلفاً وأبرهم قلوباً ولا يوجد لغيرهم كلام فيما تكلموا فيه إلا وجدت بين الكلامين من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق) ا. هـ. كلامه رحمه الله تعالى، وأقول: إن البلية ما دخلت على أصول الفقه إلا لما دخله علم المنطق اليوناني فإن دخول المنطق فيه أوجب تكثير الكلام وتشقيقه مع قلة العلم والتحقيق، ودخلت القواعد المخالفة لمنهج السلف بسببه في علم الأصول، ولذلك فإن نظار المسلمين وأئمتهم بعد أن دخل المنطق إلى ديار المسلمين وعرفوه لا زالوا يعيبونه ولا يلتفتون إليه ولا إلى أهله في موازينهم العقلية ولا يأبهون بهم في أي وادٍ هلكوا والخلاصة: أن علم الأصول غني الغنى التام عن المنطق اليوناني الفاسد. والله تعالى أعلى وأعلم.

****

سـ6/ تكلم عن شيء من نشأة هذا الفن؟

جـ/ أقول: لقد كانت قواعد أصول الفقه معروفة عند سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وكانوا يعتمدون عليها في أقوالهم و فتاويهم وأحكامهم فقد نزل القرآن عليهم بلغتهم وكانوا أعرف بالكلام الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم وأعرف بمقاصده من غيرهم وهم أئمة اللغة وسادة العقل والفهم بلا منازع فكيف يجهلون تلك القواعد، ولهذا قال أبو العباس (الكلام في أصول الفقه وتقسيمها إلى الكتاب والسنة والإجماع واجتهاد الرأي والكلام في دلالة الأدلة الشرعية على الأحكام أمر معروف من زمن أصحاب النبي ? والتابعين لهم بإحسان ومن بعدهم من أئمة المسلمين وهم كانوا أقعد بهذا الفن وغيره من فنون العلم الدينية ممن بعدهم وقد كتب عمر بن الخطاب ? إلى شريح: (اقض بما في كتاب الله فإن لم يكن فبما سنه رسول الله ? فإن لم يكن فبما أجتمع عليه الناس) وفي لفظ: (فبما قضى به الصالحون فإن لم تجد فإن شئت أن تجتهد رأيك) وكذلك قال ابن مسعود وابن عباس، وحديث معاذ من أشهر الأحاديث عند الأصوليين) ا. هـ. قلت: ومما يدل على معرفة الصحابة بالأصول ما يلي: حديث عبدالله بن مسعود ? قال» من سئل عن شيء فليفت بما في كتاب الله فإن لم يكن فبما سنه رسول الله فإن لم يكن فبما اجتمع عليه الناس «ومما يدل على ذلك حديث كعب بن عجرة لما سئل عن آية الفدية فقال للسائل» نزلت في خاصة وهي لكم عامة «وهي قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومما يدل على ذلك أيضاً قول ابن مسعود يرفعه» من مات وهو يشرك بالله شيئاً دخل النار «قال ابن مسعود» ومن مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة «وهذا بعينه ما يسميه أهل الأصول بمفهوم المخالفة، ومما يدل على ذلك أيضاً عملهم بعمومات القرآن وكذلك عملهم بالمتأخر من الكتاب والسنة وهو تطبيق لقاعدة النسخ فالصحابة هم سادات الأصول وأول من قرر قواعده بتربية رسول الله ? لهم، فلما ذهب عصر الصحابة والتابعين وجاء عصر الأئمة المجتهدين كمالك وأبي حنيفة والأوزاعي وغيرهم واحتاج الناس إلى التأليف والجمع ظهرت مباحث متفرقة لبعض مسائل الأصول، حتى إذا جاء الشافعي رحمه الله تعالى فجمع تلك المباحث في مصنف واحد ورتبها، فهذا بعد ? هو أول من جمع أصول الفقه كعلم مستقل له مصنف خاص، وذلك في كتابه الرسالة، قال ابن تيمية (فمن المعلوم أن أول من عرف أنه جرد الكلام في أصول الفقه هو الشافعي) ا. هـ. ثم تتابع الناس بعده على التأليف في هذا الفن حتى صار علماً مستقلاً كاملاً له أسسه ومناهجه وطريقته والله أعلى وأعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير