تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن الأدلة: أن الشارع حكيم فلا يقرر من الأحكام إلا ما فيه الحكمة والمصلحة الكاملة، ومن أحكامه تخصيصه هذه العبادة بهذا الوقت المعين، فالشارع لم يختر هذا الوقت بعينه من بين سائر الأوقات ويربط هذه العبادة به إلا لأن هذا الوقت له مزية على سائر الأوقات، وأن سائر الأوقات ليست فيها هذه المزية التي اختص بها هذا الوقت، فليست الأوقات سواء بالنسبة لهذه العبادة، وإلا جاز فعلها في كل وقت من غير حصر للناس بزمن معين، وهذا يبين لك أن الشارع لم يخصص هذا الوقت بعينه إلا لحكمة وغاية ومصلحة فتجويز فعلها في غيره وتصحيحها فيه إخراج لها عن هذه الحكمة والغاية والمصلحة.

ومن الأدلة أيضاً: إن القول بجواز قضاء ما ترك من العبادات المؤقتة بعد خروج الوقت فيما لو تركت عمداً وصحتها وقبولها من الفاعل يؤدي إلى الاستهانة بتلك العبادات والتقليل من شأنها وعدم المحافظة عليها بخلاف القول بعدم صحتها وقبولها لو فعلت فإن هذا يدعو من في قلبه أدنى إيمان إلى المحافظة عليها. فهذه الأدلة والأوجه تفيدك أن القول الصحيح في هذه المسألة هو أن العبادة المؤقتة تفوت بفوات وقتها إلا من عذر. والله أعلم. ويفرع على ذلك الصلوات المفروضة إذا فاتت بلا عذر أي فات وقتها فإنه لا يسوغ له قضاؤها، والنوافل القبلية والبعدية إذا فات وقتها بلا عذر فإنه لا يسوغ قضاؤها، ووقت زكاة الفطر إذا فات عمداً فإنه لا يسوغ له قضاؤها ووقت ذبح الهدي أو الأضحية إذا فات عمداً فإن لا يسوغ له قضاؤه، والوتر إذا فات وقته عمداً فإنه لا يسوغ له قضاؤه شفعاً بالنهار وعلى ذلك فقس والله أعلم.

****

سـ21/ ما لقاعدة فيما لا يتم الوجوب والواجب إلا به؟ مع التفصيل والتمثيل؟

جـ/ أقول: إنه لابد من التمييز بين قاعدتين أصوليتين حتى يتبين الأمر وهما:

الأولى: (ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب)

الثانية: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)

أما القاعدة الأولى فبيانها أن يقال: إن الشريعة الإسلامية قد رتبت على وجوب العبادة في الذمة بعض الشروط، فلا تجب العبادة في ذمة المكلف أصلاً إلا بوجود هذه الأشياء، فهي أشياء لا يتم وجوب العبادة في الذمة إلا بها، فهذه الأشياء لا توصف بأنها واجبة، وعلامتها أن تكون خارجة عن قدرة المكلف أصلاً، أو تكون مما لم يطالب به العبد، فمثال الأول دخول الوقت لوجوب الصلاة، فإن دخول الوقت لا يوصف بأنه واجب وكذلك دخول وقت الصوم لوجوب الصيام، فإن دخول وقته لا يوصف بأنه واجب، وذلك لأن دخول الوقت قد علق عليه الوجوب، وما علق عليه الوجوب فليس بواجب، فلا يقال إن زوال الشمس واجب ولا يقال إن غروب الشمس واجب لصلاة المغرب وهكذا، هذا تعبير خاطئ لأن زوال الشمس وغروبها لا يدخل تحت دائرة التكليف حتى يوصف بأنه واجب لخروج ذلك عن قدرة المكلف، فقوله (ما لا يتم الوجوب إلا به) أي الأشياء التي علق عليها وجوب العبادة في الذمة، وقوله (فليس بواجب) أي لا يوصف بأنه من الواجبات الشرعية التي يؤمر المكلف بها، وكذلك يعرف بعدم طلبه من العبد كالنصاب لوجوب الزكاة فإن الزكاة لا تجب في الذمة إلا بالنصاب، فالنصاب ليس بواجب لأن النصاب قد علق عليه وجوب الزكاة في الذمة، وما علق عليه الوجوب فليس بواجب، وكذلك الإقامة لوجوب الصوم فإن الصوم لا يترتب وجوبه في الذمة أصلاً إلا بالإقامة فالإقامة لا توصف بأنها واجبة، لأن الإقامة قد علق عليها وجوب الصوم وما علق عليه الوجوب فليس بواجب، وهذه قاعدة مطردة لا تنخرم أبداً، فإذا أردت أن تعرف ذلك فاسأل نفسك سؤالاً: هل إذا تخلف هذا الشرط يتخلف الوجوب عن الذمة، أم أن الوجوب ثابت حتى لو تخلف الشرط؟ فإن كان الوجوب لا يثبت إلا بهذا الشرط، فاعرف أن الشرط هذا لا يوصف بأنه واجب فيدخل في هذه القاعدة جميع الأشياء التي يلزم من تخلفها تخلف الوجوب عن الذمة وزيادة في التوضيح أضرب لك بعض الأمثلة:

منها: لا شك أنك تعرف أن التكليف مربوط بالبلوغ، فلا تكليف إلا ببلوغ لحديث» رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ ... الحديث «فالعبادات لا يترتب وجوبها في الذمة أصلاً إلا بالبلوغ فإذا انعدم البلوغ انعدم التكليف فالبلوغ لا يوصف بأنه واجب لأن الوجوب في الذمة قد علق عليه وما لا يتم الوجوب في الذمة إلا به فليس بواجب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير