تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومنها: الاستطاعة لوجوب الصوم، فإن الصوم لا يترتب وجوبه في الذمة إلا بالاستطاعة، فلا صوم إلا باستطاعة فالصوم لا يتم وجوبه في الذمة إلا بالاستطاعة فلا توصف الاستطاعة بأنها واجبة، لأن الوجوب معلق عليها ولا يتم إلا بها، وما لا يتم الوجوب في الذمة إلا به فليس بواجب.

ومنها: اشترط الأصحاب لوجوب الجمعة في الذمة حضور أربعين رجلاً، فلا جمعة إلا بأربعين، فالجمعة لا يتم وجوبها في الذمة إلا بالأربعين، فالأربعون هنا لا يوصف بأنه واجب، لأن الوجوب في الذمة معلق به، وما لا يتم الوجوب في الذمة إلا به فليس بواجب.

ومنها: العقل لثبوت التكليف، فإن التكليف لا يثبت في الذمة إلا بالعقل فلا تكليف إلا بعقل، فإذا فقد العقل فقد التكليف، فالعقل إذاً لا يوصف بأنه واجب لأنه مما علق عليه الوجوب، فلا يتم وجوب التكليف إلا بالعقل، وما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب.

ومنها: المحرم للحج بالنسبة للمرأة، فإن القول الصحيح أن المحرم شرط لترتب وجوب الحج في الذمة، فإذا وجد المحرم وجب الحج وإن انعدم المحرم انعدم الوجوب، فلا وجوب إلا بمحرم، فالمحرم إذاً لا يوصف بأنه واجب، لأنه مما علق عليه الوجوب في الذمة، وما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب، ولعل الأمر أتضح إن شاء الله تعالى، أعني وضوح قاعدة (ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب).

وأما القاعدة الثانية وهي قولهم (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) فبيان هذه القاعدة أن يقال: إن هناك أشياء لا يتحقق فعل ما وجب في الذمة إلا بتحصيلها أي أن المكلف لا يستطيع أن يقوم بما أوجب الله عليه تجاه هذه الواجبات إلا بتحصيل هذه الأمور، فهذه الأمور التي علق عليها حصول الواجب هي التي توصف بأنها واجبة، فالشريعة الإسلامية علقت صحة بعض العبادات على بعض الشروط فلا تصح العبادة إلا بهذه الشروط، فهذه الشروط هي التي توصف بأنها واجبة، فالشريعة إذا أوجبت شيئاً فإنها توجب جميع ما يتوقف حصول ذلك الواجب عليه، فكل وسيلة لا يتحقق الواجب إلا بها فهي واجبة، كالطهارة للصلاة فإن الصلاة لا تتم صحتها إلا بالطهارة، فالطهارة توصف بأنها واجبة وسيأتي مزيد من الأمثلة على ذلك بعد قليل إن شاء الله تعالى، وعلامة هذه الأشياء أنها لا تكون إلا داخلة تحت قدرة المكلف وهي مما أمر المكلف بها فجمعت بين أمرين: دخولها تحت قدرته وأمره بها، ولكن لا تعلق لها بوجوب العبادة في الذمة، كما في القاعدة الأولى، فالعبادة هنا واجبة واجبة سواءً تخلف الشرط أو توفر، أي أن الصلاة تجب من حين دخول الوقت، بغض النظر عن حالة المكلف هل هو محدث أم متطهر، فالطهارة لا تضيف وجوباً جديداً للصلاة ولكن لا تتم هذه الصلاة أي لا تتم صحتها إلا بالطهارة فبان بذلك أن تخلف هذا الشرط لا يلزم منه تخلف وجوب الصلاة في الذمة، وإنما هو متعلق بالصحة لا بالوجوب، فهذا هو الذي يوصف بأنه واجب، فلابد من التفريق بين القاعدتين: وحتى يتضح الأمر أكثر نضرب فروعاً على القاعدة الثانية فأقول:

منها: لقد ثبت في الدليل الصحيح وجوب صلاة الجماعة، ولكن إلا أن صلاة الجماعة لا تتم إلا بالمشي إليها، لأنها تقام في المساجد فلابد من المشي إليها، فلما توقف تحقيق إيقاع الجماعة على المشي إليها صار المشي إليها واجباً لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالمشي لا تعلق له بوجوب الجماعة في الذمة، لأن صلاة الجماعة واجبة ولو لم يمش إليها، ولكن المشي للجماعة له تعلق بتمام إقامة صلاة الجماعة فليس هو مما لا يتم الوجوب في الذمة إلا به، بل هو مما لا يتم الواجب ويتحقق إلا به، فإذا تحقق وجوب صلاة الجماعة في الذمة فاسأل نفسك: وكيف تتحقق الجماعة؟ والجواب: بالمشي إليها، فيكون المشي واجباً لأن ما لا يتحقق الواجب إلا به فهو واجب، والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير