تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومنها: إذا تحقق وجوب الحج في الذمة، أي إذا استقر وجوبه في الذمة، فإنه لا يمكن أن توجد حقيقته إلا بقطع المسافات للوصول إلى تلك البقاع، فقطع المسافة يوصف بأنه واجب لأنه قد علق عليه تمام الواجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لكن قطع هذه المسافات لا تعلق له بالوجوب في الذمة، فالحج إذا توفرت شروط وجوبه وجب في الذمة سواءً قطع هذه المسافات أو لم يقطع، فلا تعلق له بالوجوب وإنما له تعلق بالواجب، ففرق بين الأمرين، فالحج لا يتحقق إلا بقطع هذه المسافات - أي بالنسبة للبعيد - فيكون قطع المسافة واجباً.

ومنها: ستر العورة للصلاة، فإنه إذا دخل الوقت وجبت الصلاة في ذمة كل مكلفٍ سواءً ستر عورته أو لم يستر عورته، فهذا الشرط لا تعلق له بوجوب العبادة في الذمة، ولكن لا تتم صحة الصلاة إلا بستر العورة، فحيث كان هذا الشرط لا تعلق له بالوجوب وإنما تعلقه بتمام الصلاة فإنه يوصف بأنه واجب لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، أي أن الصلاة بعد وجوبها في الذمة لا يمكن أن تتم وجوداً وصحةً إلا بأشياء، فهذه الأشياء هي التي توصف بأنها واجبة، فهذه الأشياء لها تعلق بتمام الواجب ووجوده لا بل بأصل وجوبه في الذمة. ولعلك فهمت الفرق بين القاعدتين إن شاء الله تعالى. وخلاصة ذلك أن يقال: الفرق بين هاتين القاعدتين من وجوه:

أحدها: أن الأولى تتكلم عن الشروط التي لها تعلق بوجوب العبادة في الذمة وأما الثانية فإنها تتكلم عن الأشياء التي يتوقف عليها حصول هذا الواجب الذي استقر وجوبه في الذمة، فمتعلق هاتين القاعدتين يختلف فالأولى تتكلم عن شيء والأخرى تتكلم عن شيء آخر.

ثانيها: أن الأولى لا يدخل فيها إلا الأشياء التي لا يقدر عليها المكلف كزوال الشمس وغروبها وحلول شهر رمضان ونحو ذلك أو الأشياء التي لم يؤمر المكلف بتحصيلها كالنصاب الزكوي. والإقامة لوجوب الصوم ونحو ذلك، فيدخل فيها غير المقدور وما ليس بمأمور، وأما القاعدة الثانية فإنه لا يدخل فيها إلا ما كان داخلاً تحت القدرة ويكون مما أمر العبد به، كالطهارة وستر العورة وإزالة النجاسة واستقبال القبلة والنية وغير ذلك، فهذه الأشياء تدخل تحت قدرة المكلف وهي مما أمر المكلف بها.

ثالثها: أن القاعدة الأولى تتكلم عن الأشياء التي يكون في انعدامها انعدام الوجوب في الذمة وأما الثانية فإنه لا تعلق لها بالوجوب في الذمة، فهي تبحث في الأشياء التي يتوقف عليها حصول الواجب، فالأولى يختص نظرها بالوجوب في الذمة أي أنها تنظر إلى ذمة المكلف، أما الثانية فإنها تنظر إلى ذات العبادة وكيف الطريق لتصحيحها وتكميلها والله أعلم.

رابعها: أن القاعدة في الأولى تبحث في الأحكام الوضعية أي في الأسباب والشروط والموانع. وأما القاعدة الثانية فإنها تبحث في الحكم التكليفي، والله أعلم. فهذه بعض الفروق بينهما، وخلاصة الأمر أن يقال: إن الأشياء التي يتوقف عليها الوجوب في الذمة لا توصف بأنها واجبة، والأشياء التي يتوقف عليها حصول الواجب وتحقيقه في الخارج هي التي توصف بأنها واجبة. والله ربنا أعلى وأعلم.

****

ـ[عاطف جميل الفلسطيني]ــــــــ[22 - 05 - 09, 09:31 م]ـ

سـ22/ هل اشتراط الإسلام في العبادات يدخل تحت القاعدة الأولى أم القاعدة الثانية؟ مع بيان ذلك بالدليل والتعليل؟

جـ/ أقول: هذه المسألة محل بحثها في التكليف، ولكن لما ناسب الكلام عليها هنا قدمت سؤالها لأن هذه المسألة مرتبطة بهاتين القاعدتين فأقول في جوابها وبالله التوفيق ومنه وحده أستمد العون وحسن التحقيق: لقد قدمت لك سابقاً أنك إذا أشكل عليك شرط من الشروط التي يذكرها الفقهاء في العبادات أن تسأل نفسك سؤالاً وهو: ما الحكم لو انعدم هذا الشرط، فهل لا يزال وجوب العبادة باقياً في الذمة أم أن الوجوب عن الذمة قد ارتفع؟ ويختلف الحكم باختلاف الإجابة، فإن كان الوجوب في الذمة مرتبطاً بهذا الشرط أي يوجد الوجوب بوجوده وينعدم بانعدامه، فإن هذا الشرط يدخل تحت قاعدة (ما لا يتم الوجوب في الذمة إلا به فليس بواجب) وقلت لك سابقاً أن علامة هذه الشروط عدم دخولها تحت قدرة المكلف أصلاً أو أن المكلف غير مطالب بها أي غير مطالب بتحصيلها حتى وإن كانت داخلة تحت قدرته، وأما إذا كان الوجوب في الذمة لا يتعلق بهذا الشرط فالوجوب في الذمة موجود موجود سواءً وجد هذا الشرط

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير