تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حقيقة التحريم، قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: (الكراهية في كلام السلف كثيراً وغالباً يراد بها التحريم) وفي صحيح البخاري ومسلم أن النبي ? قال» إن الله تعالى كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال «وقد نبه ابن القيم رحمه الله تعالى إلى أن من الأغلاط أن تفهم الكراهة عند المتقدمين على خلاف مرادهم، وأن تفسر بالكراهة المعروفة عند المتأخرين من الفقهاء والأصوليين، فقال: (والسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله ولكن المتأخرون اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فغلط في ذلك، وأقبح غلطاً منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ (لا ينبغي) في كلام الله ورسوله على المعنى الحادث) ا. هـ. كلامه، فيستفاد من هذا أن الكراهة عند السلف المتقدمين ترادف المحرم وهذا في الأعم الأغلب، وقد بين الإمام مالك رحمه الله تعالى العلة في ذلك وأن الدافع للسلف في التعبير بلفظ الكراهة عن لفظ التحريم إنما هو الورع، فقال ابن وهب (سمعت مالكاً يقول: لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا ولا أدركت أحداً أقتدي به يقول في شيءٍ:- هذا حلال وهذا حرام ما كانوا يجترؤن على ذلك وإنما كانوا يقولون: نكره كذا، ونرى هذا حسناً ونتقي هذا ولا نرى هذا) ا. هـ. كلامه، ومما يؤيد هذا ما نقله ابن القيم من نصوص كثيرة لبعض السلف رحمهم الله تعالى صرحوا فيها بلفظ الكراهة وهم إنما يريدون بها التحريم وأنا أسوقها لك منه مع شيء من الزيادة التوضيحية فأقول:-

من هذه النصوص: أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى قال في الجمع بين الأختين بملك اليمين (أكرهه ولا أقول هو حرام) ومذهبه تحريمه من غير شك والآية صريحة في ذلك ولكنه تورع عن إطلاق لفظ التحريم لأجل قول عثمان الذي أخرجه مالك في الموطأ والشافعي في الأمر والبيهقي في السنن عن أبي شهاب عن قبيصة ابن ذؤيب أن رجلاً سأل عثمان بن عفان عن الأختين من ملك اليمين فقال عثمان: أحلتها آية وحرمتها آية فأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك, وسنده صحيح فالمذهب المعروف عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى التحريم لكنه تورع عن التصريح به هنا لأجل هذا القول من عثمان ?، فالكراهة يراد بها التحريم.

ومنها: ما قاله أبو القاسم الخرقي في مختصره رحمه الله تعالى: (ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة) والمعروف من المذهب التحريم الأكيد، فأطلق لفظ الكراهة وأراد التحريم.

ومنها: ما رواه عبدالله بن الإمام أحمد عنه أنه قال (لا يعجبني أكل ما ذبح للزهرة ولا الكواكب ولا الكنيسة وكل شيء ذبح لغير الله قال الله تعالى ?حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ? قال ابن القيم: فتأمل كيف قال لا يعجبني فيما نص الله تعالى على تحريمه وأحتج هو أيضاً بتحريم الله به في كتابه) ا. هـ.

ومنها: ما رواه الأثرم عنه أنه قال: (أكره لحوم الجلالة وألبانها) والمراد بهذه الكراهة التحريم وقد صرح رحمه الله تعالى بالتحريم في رواية حنبل وغيره، فهذه الكراهة يراد بها التحريم.

ومنها: ما رواه عنه ابنه عبدالله أنه قال (أكره لحم الحية والعقرب لأن الحية لها ناب والعقرب له حمة) قال ابن القيم: ولا يختلف مذهبه في تحريمه، فهذه الكراهة يراد بها كراهة التحريم.

ومنها: سئل الإمام أحمد عن ألبان الأتن فقال (أكرهه) ومذهبه لا يختلف في تحريمه فأطلق الكراهة وأراد بها التحريم.

ومنها: سئل الإمام أحمد عن بيع الماء فقال: (أكرهه) ومذهبه لا يختلف في أن بيع الماء حرام، فأطلق الكراهة وأراد بها التحريم.

ومنها: قال محمد بن الحسن في الجامع الكبير (يكره الشراب في آنية الذهب والفضة للرجال والنساء) ومراده بهذه الكراهة التحريم ولا شك، وقد نقل أبو العباس وغيره اتفاق أهل العلم رحمهم الله تعالى على تحريم ذلك، وبه تعلم أن الكراهة المذكورة إنما يراد بها كراهة التحريم.

ومنها: قال أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة (يكره النوم على فرش الحرير والتوسد على وسائده) قال ابن القيم: ومرادها التحريم، وقد صرح الأصحاب أنه حرام، فالكراهة هنا يراد بها التحريم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير