ومنها: ما بوبه في صحيحه بقوله (باب ما يكره من النياحة على الميت) وهذه الكراهة يراد بها التحريم ولا شك لأنه روى تحتها حديث» من نيح عليه يعذب بما نيح عليه «وحديث» الميت بعذب في قبره بما نيح عليه «قال الحافظ في الفتح نقلاً عن الزين بن المنير قوله: والمراد بالكراهة كراهة التحريم، ا. هـ. قلت ونحن نقطع بذلك بلا تردد كيف وقد قال ?» النائحة إذا ماتت ولم تتب فإنها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب «وقد عدها النبي ? من خصال الجاهلية، ومثل هذا لا يقال في كراهة التنزيه وإنما يقال في كراهة التحريم فقط.
ومنها: ما بوبه في صحيحه أيضاً بقوله (باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين) والمقصود كراهة التحريم، قال تعالى ?وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِه? وقال تعالى ?مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ?.
ومنها: ما بوبه في صحيحه أيضاً بقوله (باب ما يكره من الحلف في البيع) وهذه الكراهة للتحريم بلا شك.
ومنها: ما بوبه بقوله (باب ما يكره من التبتل والخصاء) وهي كراهة تحريم.
ومنها: ما بوبه بقوله (باب ما يكره من النميمة) ولا نشك في أن هذه الكراهة كراهة تحريم لا مجرد تنزيه.
ومنها: ما بوبه بقوله (باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان) وهي كراهة تحريم لأنه ? لا يغضب على حبه وابن حبه أسامة بن زيد رضي الله عنهما كل هذا الغضب لمجرد ارتكاب شيء مكروه كراهة تنزيه، وهذا واضح فهذه بعض الأمثلة على ما ذكرناه سابقاً من أن السلف الأوائل إذا أطلقوا لفظ الكراهة أو قال أحدهم (لا يعجبني أو لا ينبغي) فإنه في الأغلب الأكثر إنما يريدون به التحريم حقيقة ولكن لشدة ورعهم واحترازهم واحتياطهم رحمهم الله تعالى لم يكونوا يصرحون بالتحريم، فافهم هذه المسألة فإن بعض المتأخرين قد حمل لفظ الكراهة الواردة في كلامهم على الكراهة التنزيهية فغلط في ذلك غلطاً فاحشاً والله أعلى وأعلم.
****
سـ33/ عرف المندوب لغة وشرعاً؟ مع بيان محترزات التعريف وما ثمرته؟ واضرب عليه أمثلة؟ واذكر بعض ما يرادفه من الألفاظ؟
جـ/ أقول: المندوب لغة مأخوذ من الندب وهو الدعاء ومنه قول الشاعر:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم وفي النائبات على ما قال برهانا
وأما المندوب اصطلاحاً فهو ما طلب الشارع فعله طلباً غير جازم، فقولهم (ما طلب الشارع فعله) قيد يخرج به الحرام والمكروه لأن الشارع طلب تركهن لا فعلهن، ويخرج به أيضاً المباح لأن الشارع لم يعلق بالمباح طلب فعل ولا طلب ترك، وقولهم (طلباً غير جازم) يخرج الواجب لأن الواجب مطلوب على وجه الجزم والإلزام، وأما ثمرته فيثاب فاعله امتثالاً ولا يعاقب تاركه، وأما أمثلته فكثيرة، فمنها السنن الرواتب والنوافل المطلقة، وركعتا الضحى والوتر وقيام الليل وصوم الإثنين والخميس ويوم عرفة وعاشوراء مع يوم قبله أو يوم بعده وتجديد الوضوء والتثليث فيه والتشهد عقبه والجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة، والمبيت بمنى ليلة التاسع وركعتا الطواف وقراءة سورتي الإخلاص فيهما وأذكار الصباح والمساء وغير ذلك كثير مما يعسر الإتيان عليه كله, وأما ما يرادفه من الألفاظ فإن المندوب يعبر عنه بالسنة والنافلة والمستحب والتطوع والمرغب فيه، والله أعلم.
سـ34/ هل المندوب مأمور به حقيقة؟ مع بيان الراجح بالدليل؟
جـ/ أقول: هذه المسألة خلافية والحق الحقيق بالقبول فيها أن المندوب مأمور به حقيقة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وهو مذهب جمهور أهل العلم رحمهم الله رحمة واسعة، وقد خالف في ذلك الحنفية غفر الله لأولهم وآخرهم وليس للخلاف في هذه المسألة كبير ثمرة في فروع الفقه، والدليل على ذلك عدة أمور:-
¥